غيرة الرجل على زوجته: مذمومة أم ممدوحة؟! (فيديو)

إن هناك قسماً من المحرمات ينافي الفطرة، فحتى الإنسان السليم السوي ولو من غير دين، يرفض هذا الحرام؛ كالاعتداء على الغير بسرقة الأموال، وغيرها من الذنوب.. ومن هنا فإن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يخاطب أعداءه يوم عاشوراء قائلاً: (ويحكم ياشيعة آل أبي سفيان!.. إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)!.. فبعض الأمور حتى غير صاحب الدين يلتزم بها.. لذا، فإن من يخالف هذا الأمر الوجداني كأن له عقوبة مغلظة، يقول تعالى في سورة "الفرقان" واصفاً عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا).. ومن تلك الأمور الوجدانية؛ غيرة الإنسان على زوجته.

أولاً: إن هناك قسماً من الناس لا يشعر بالغيرة على زوجته، وكأنه لا يرى لها اختصاصاً بالنسبة له؛ وهذا الأمر من سلبيات هذا العصر الذي ظهر فيه الفساد في البر والبحر!.. فبعض الناس يرتاح عندما يرى الآخرين ينظرون إلى زوجته بريبة أو بشهوة؛ ويفرح في قرارة نفسه؛ لأنه يظن -حسب منطقه- أن ذلك يكشف عن إعجاب الناس، وهذه التي يُعجب بها الناس: هي زوجته، وهي له، وهي ملكه!.. والحال بأن هذه الصفة من أقبح الصفات في الإنسان، هذا يُسمى في الاصطلاح الفقهي بـ"الديوث"؛ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله،: "إنَّ الجنَّة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجدها: عاق، ولا ديوث.. قيل: يا رسول الله، وما الديوث؟.. قال: الذي تزني امرأته وهو يعلم بها".. هذه مصيبة كبرى، بعض الناس -مع الأسف- ولعله من المسلمين ومن أنصاف المؤمنين؛ يرى زوجته في محل تجاري وهي معه، تفاكه البائع وتمزح معه بشكل لا يليق، من أجل أن يخصم لها ديناراً أو دينارين.. وهذا أيضاً قريب من المعنى؛ لأن الزنا له درجات، فحتى العين تزني في بعض الأوقات.. وعليه، فإن الزوج الذي يرى زوجته تتكلم مع الرجال كلاماً غير شرعي؛ هذا ديوث صغير -إن صح التعبير-!..

ثانياً: إن الغيرة ممدوحة عموماً، ولكن هناك غيرة مذمومة، ومنها:

1. غيرة النساء: إن غيرة النساء -في بعض الحالات- تكون في غير محلها، فإذا قام الزوج بأي عمل؛ يفسر تفسيراً غير شرعي.. هذا المعنى موجود في عامة النساء، من باب حب التفرد.. ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: "غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ، وَغْيْرَةُ الرَّجُلِ إيمَانٌ"؛ فهي بعض الأوقات تطلب من الرجل ما يتجاوز الحكم الشرعي.. إذن، هذه غيرة مذمومة.

2. غيرة الرجل من دون سبب: إن هذه الحالة عند الرجال، هي من الغيرة المذمومة أيضاً.

أ- عن رسول الله، صلى الله عليه وآله،: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره الله.. فأما ما يحب؛ فالغيرة في الريبة.. وأما ما يكره؛ فالغيرة في غير ريبة".. الرواية جداً صريحة وجميلة، فروايات أهل البيت (عليهم السلام) تقسم الأمور تقسيماً جميلاً..

- "فأما ما يحب؛ فالغيرة في الريبة".. أي إذا كان هناك حركة غير طبيعية، مشكوك فيها، أو إذا كان هناك أمر مريب؛ هنا يجب على الإنسان أن يغار.. كأن يرى ابنته -مثلاً- تحدث شاباً!. عندئذ يشك في الأمر، فيسألها عنه وعن صلتها به.

- "وأما ما يكره؛ فالغيرة في غير ريبة".. مثال ذلك: كأن يمشي الرجل مع زوجته في مكان عام، وإذا به يقول لها: لماذا تنظرين إلى الرجال؟.. من أين علم أن هذه الزوجة المؤمنة تنظر نظرة محرمة؟.. فالإنسان عندما ينظر في مكان مفتوح، يمكن أن يحدق في حرام، ويمكن أن ينظر بشكل عام.. فإذن، إذا الجو لم يكن فيه ريبة، لا معنى لهذه الغيرة!.

ب- يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في وصيته لابنه الحسن، عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة!.. فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم".

- "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة"!.. التغاير يعني بذل الغيرة في غير موضع الغيرة.

- "فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم".. عندما يلقن الزوج زوجته بأنها غير عفيفة -وهي بريئة-؛ فإن هذه المرأة بعد فترة يذهب حياؤها.. فيكون هو -من دون أن يشعر- قد لقنها ذلك؛ عندئذ من الممكن أن ترتكب الحرام.. لأن الشيطان يدخل على الخط، فتقول بلسان حالها: مادام الزوج يشك فيك، ولا يرى لك عفة؛ فافعلي ما تشاءين! بعض الأوقات الإنسان بسوء تصرفه، يحول زوجته أو ابنته إلى سقيمة.

ثالثاً: يقول الإمام علي، عليه السلام: "ألا تستحيون أو تغارون؛ فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق، يزاحمن العلوج".. إن ما يحصل -هذه الأيام- في الأسواق والأعراس، يجعل المؤمن له الحق في أن يغار!.. فعندما يأخذ الإنسان زوجته إلى السوق، عليه أن يجعلها في حمايته، مثلما يفعل في الطواف، حيث تكون عينه على زوجته؛ لئلا يصطدم بها أحد.. أسواقنا

هذه الأيام، أشد ازدحاماً من الطواف في بعض الحالات، وشتان ما بين أجواء الطواف وأجواء الأسواق!.

- "ألا تستحيون أو تغارون".. الشيعي، الموالي، المسلم، الإنسان عليه أن يستحي!.

- "فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق، يزاحمن العلوج".. بعض الأوقات عندما تذهب المرأة لتشتري من السوق، فإنها قد تصطدم بالرجال عشرات المرات، بالإضافة إلى الشباب الذين يكونون في المنعطفات وينظرون إليها نظرة غير شرعية.. فإذن، الأسواق من مواطن الغيرة بالنسبة للرجل.. حتى أن هناك بحثاً فقهياً في بحث الحج والعمرة: هل يحسن الطواف المستحب للمرأة إذا كان هناك ازدحام، أم أنه يفضل أن تجلس وتصلي وتقرأ القرآن في المسجد الحرام؟!.. البعض يقول: لا رجحان لهذا الطواف المستحب، إذا كان يلازم الالتصاق بالرجال وغيره.. فإذن علينا أن نرعى هذا المعنى.

رابعاً: إن الأئمة، عليهم السلام، أكدوا على موضوع الغيرة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "كانَ إبراهيمُ أبي غَيوراً وأنا أغيَرُ مِنهُ، وأرغَمَ اللَّهُ أنفَ مَن لا يَغارُ مِن المؤمنين".