هل سمعتم من قبل بـ ’المراهقة المتأخرة’؟

المراهقة: مراحلها وأبرز مشكلاتها

 عبد الرحمن حمزة:

اشتقت كلمة المراهقة من فعل لاتيني وهو adolescere، والذي يعني عملية التدرّج في النضج الجنسي والعقلي والبدني والانفعالي.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 ويمكننا إطلاق هذا المصطلح على المرحلة العمرية التي دخلت سن البلوغ، وصولًا إلى سن الرشد، في هذه المرحلة تُعاد هيكلة وتنظيم النفس والعقل لدى المقبل عليها، وصولًا لمرحلة من الرشد المطلوب لمواجهة مصاعب الحياة، ومن المهم التفريق بين مصطلحين يخلط بينهما كثير من الناس، هما البلوغ والمراهقة، إذ يعرّف البلوغ بأنه نضج في الغدد التناسلية وحصول الطفل على معالم جنسية تنقله تلقائيًا بين مرحلة الطفولة والشباب، أما عند الحديث عن المراهقة فلا بد من الإشارة إلى أنها أوسع من ذلك، فهي أشبه ما تكون بالنسيج المتشابك، كما أنها بُنية معينة تتفاعل فيها كافة العناصر، من أعضاء وجوانب نفسية وجوانب اجتماعية ضمن ثقافة معينة، وبأغلب الأحيان تكون ثقافة المجتمع المعاصر.

مراحل المراهقة تقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل على النحو التالي:

المراهقة المبكّرة: والتي تبدأ من عمر الحادية عشرة وتستمر حتى الرابع عشرة، وهي مرحلة حرجة كون المراهق يمر بتغيرات كثيرة ويتأرجح ما بين الرغبة في الاستقلال ومعاملته كالكبير، وبين نيل اهتمام ودلال الأهل، وهنا تكمن صعوبة إرضائه، وتعرف هذه المرحلة باسم حب الشباب، إذ يشعر الفرد بانعدام الثقة بالنفس جراء التغيرات الخارجية على المظهر لا سيما في ظل قناعته التامة بأن الجميع يراقبه، وينظر إليه، وتتبلور حاجة المراهق في هذه المرحلة إلى المزيد من الحرية في أمور عديدة، ويتجلى ذلك برفض أفكار ومعتقدات المجتمع المحيط، والعصبية والتوتر، واكتشاف الجسد، بالإضافة إلى حاجته الملحّة للحصول على الخصوصية والانفراد بالنفس، وجميعها أمور بسيطة لا تحتاج أكثر من الصبر والإصغاء وتنمية الشخصية المستقلة للابن.

المراهقة الوسطى: تبدأ هذه المرحلة من عمر الخامسة عشر وتستمر حتى السابعة عشر، وتتميز بشعور الفرد بالاستقلالية، وعليه فإنه يسعى لفرض شخصيته الخاصة وإثبات ذاته، وذلك من خلال تجريب أمور جديدة أو ممنوعة كالدخان، والكحول، والسهر إلى ساعات متأخرة خارج المنزل، ومصادقة أشخاص جدد غير محبذين من الأهل، ومن هنا تبدأ التصادمات مع الأهل كونهم يرفضون الانصياع وراء أفكاره، وتجدر الإشارة إلى أن التغيرات الجسدية تظهر في المرحلة السابقة، بينما تتجلى هذه المرحلة في الاهتمام بلفت نظر الجنس الآخر.

المراهقة المتأخّرة: تبدأ من سن الثامنة عشر وتنتهي في الحادية والعشرين، وقد تمتد فترة أطول تبعًا لاعتماد الأبناء على الأهل في شؤون الحياة المادية والدراسية، وتتضح هوية وشخصية المراهق، فيشعر بثقة أكبر تجاه قرارته الشخصية، وقد تعود شريحة كبيرة من الأبناء إلى طلب النصيحة من الأهل.

خصائص مرحلة المراهقة

يتعرّض المراهق لعدد من التحولات البيولوجية، ينتج عنها نمو متنوع في مرحلة المراهقة، وهي:

النمو الجسدي: تظهر خلال هذه المرحلة عدة قفزات سريعة في النمو، تتعلق بالوزن والطول، في حين أن هذه التحولات تختلف بين الإناث والذكور، فخلال المرحلة الأولى تبدو الفتيات أثقل وأطول من الذكور، ويتعرض الذكور في هذه المرحلة لاتساع الكتفين مقارنة بالوركين، أما الإناث فيتسع لديهن الوركان مقارنة بالكتفين والخصر، كما أن الذكور في هذه المرحلة يتمتعون بسيقان طويلة عند المقارنة بكامل الجسد.

النضوج الجنسي: تُحدّد هذه المرحلة عند كل من الذكور والإناث بأمور معينة، فعند الذكور تكون أولى العلامات لهذه المرحلة زيادة في حجم الخصيتين، إلى جانب ظهور الشعر حول أعضاء التناسل، أما بما يخص الإناث فإن أول علامة لحدوث هذه المرحلة هي الدورة الشهرية، في حين أن هذه العلامة لا تعني ظهور خصائص جنسية ثانوية على الفتاة.

التغير النفسي: مع حدوث التغيرات الجسدية والتحولات الهرمونية خلال مرحلة المراهقة، تتأثر العلاقات الاجتماعية والمزاج والصورة الذاتية لدى الأفراد تأثرًا كبيرًا، وتختلف بين الذكور والإناث بين مشاعر جيدة وسيئة كذلك.

أبرز المشاكل في حياة المراهق

 تظهر تحديات كثير في حياة المراهق، وكلها قد تكون طبيعية إلى حد ما إذا تعامل معها الأهل بحكمة، فيما قد تتحول إلى مشكلة حقيقة على المدى البعيد إذا غاب دور الأسرة، ومن أبرز المشكلات ما يأتي:

- الصراعات الداخلية ما بين الاستقلال عن الأسرة على جميع الأصعدة أو الاعتماد عليها، وما بين صراع الطفولة أو متطلبات المرحلة الجديدة سواء مرحلة الرجولة بالنسبة للأولاد أو الأنوثة بالنسبة للبنات، بالإضافة صراع الطموحات الزائدة مقابل التقصير في الواجبات والالتزامات، وصراع الغرائز الداخلية مقابل العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع، ناهيك عن الصراع الديني ما بين المسلمات غير القابلة للنقاش مقابل الأفكار الناقدة والفلسفة الجديدة، وأخيرًا الصراع الثقافي بين الجيل الحالي والسابق.

- الشعور بالغربة جرّاء انعدام صلة التواصل مع الوالدين، أو انعدام الأمور المشتركة، فنرى المراهق يحاول جاهدًا وبشتى الوسائل والطرق الانسلاخ التام عن مواقف الأهل ورغباتهم، وهي وسيلة للتميز وإثبات الذات، وهذا بالطبع يستلزم معارضة توجيهات الأهل أو أي سلطة مفروضة؛ لأنه يرى نفسه قادرًا على مجاراة الراشدين وقدراتهم، وبالتالي فإن أي أوامر عليا ما هي إلا استخفاف بالروح النقدية لديه، من هنا تظهر مشاكل العناد والتمرد التي يتبعها تعصب وسلوك عدواني.

- العزلة الاجتماعية والتي تؤدي إلى الخجل من الناس ومقابلتهم والحديث معهم، وتظهر هذه المشكلة جرّاء الدلال الزائد من الأهل، وهو ما يُشعر المراهق بضرورة الاعتماد على الآخرين في حل أي مشكلات أو عقبات حياتية، في حين أن طبيعة المرحلة تتطلب الاستقلال والاعتماد على الذات، ومن هنا تظهر صراعات داخلية طويلة الأمد، ولا يجد لها المراهق حلًا إلا بالعزلة والانطوائية، معتقدًا أن الهرب ينهي المشكلة.

- السلوك غير السوي لتحقيق مقاصده الخاصة دون أيّ اعتبارات، فيلجأ نحو الصراخ، والشتم، والسرقة، وإتلاف الممتلكات، والخوض في جدالات تافهة، والتورط في المشاكل، وعدم الاهتمام بمشاعر الغير، وخرق حق الاستئذان، والعصبية، والعناد، وحدة الطباع معتقدًا أن العنف يحقق المطالب، وغير ذلك من السلوكيات المزعجة بالنسبة للآخرين، وتجدر الإشارة إلى ضرورة فهم طبيعة المرحلة بشكل أو بآخر، لأن السلوكيات التي ذكرناها آنفًا إنما مردّها بنسبة كبيرة إلى الهرمونات الجنسية، فمستوى الهرمونات المرتفعة تلعب دورًا كبيرًا في التفاعلات المزاجية وتتجلى في الصراع عند الذكور، والاكتئاب عن الإناث.

- الانحرافات الجنسية والميل إلى أفراد من نفس الجنس، بالإضافة إلى انحرافات الأحداث من اعتداء وسرقة، وهي مشاكل ناتجة عند غياب دور الأهل في تغذية روح المراهق، ويقصد بالتغذية الروحية إظهار الحب والعطف والحنان والرعاية لإشباع رغباته، وقد أوضحت دراسات أمريكية أن الشواذ جنسيًا عانوا من غياب دور الأب في الأسرة، فكانت الأم تقوم بالدورين معًا، ومن هنا فإنهم قد مالوا تلقائيًا إلى مخالطة النساء سواء أكانوا أمهات أو أخوات أكثر من الرجال، وهو ما تسبب في الشذوذ الجنسي على المدى البعيد.