الطقوس وحدها لا تكفي.. 4 خطوات لتأسيس أسرة ’متديّنة’

الأسرة هي المؤسسة التربوية الأكثر تأثيراً على نشأة الطفل، فهي المسؤولة عن تكوين شخصيته المستقبلية، ولذا اهتم الإسلام بالأسرة ابتداءً من اختيار الزوجة الصالحة، وانتهاءً بالنظام الأخلاقي والقيمي الذي يحكم علاقة الزوجين وعلاقتهما بالأطفال، وما بين ذلك لم يهمل الإسلام أدق التفاصيل حتى تلك المرتبطة بالعلاقة الخاصة بالزوجين، حيث أوصى الإسلام بمجموعة من المستحبات التي لها تأثير تكويني على انعقاد النطفة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

إن كل ما أوصى به الإسلام من معارف وعقائد وأحكام وآداب، فمهما كتبنا حوله لا يمكن أن نوفي حق السؤال لأنه يتسع باتساع فلسفة الإسلام، ولذا سوف نكتفي بوضع نقاط عامة لها علاقة بكيفية ترسيخ المفاهيم الإسلامية.

1- لا يمكن الحديث عن ترسيخ المفاهيم الإسلامية في الأسرة مالم تكن المفاهيم نفسها واضحة عند هذه الأسرة، ومن هنا نفهم كل الروايات التي أوجبت طلب العلم على كل مؤمن ومؤمنة، وما تعانيه الأسر الإسلامية يعود بشكل مباشر إلى جهل الآباء والأمهات بأبسط مفاهيم الإسلام، وقد تكون الظروف المعيشية في عالمنا العربي والإسلامي هي المسؤولة عن إعراض الناس عن طلب علوم الشريعة، إلا أن ذلك لا يعد عذراً كافياً؛ فمهما تعقدت الظروف فهناك إمكانية لإيجاد الوقت للتعلم، ففي الرواية روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ والْعَمَلُ بِهِ، أَلا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ) وذلك باعتبار أن الغاية من العلم مقدمة على الغاية من طلب المال، ومن هنا لم يعذر أئمة أهل البيت شيعتهم في عدم طلب العلم، فقد جاءت بعض الروايات على نحو النكير الشديد لتاركي التفقه فعن أبي عَبْدِاللهِ (عليه السلام)، قَالَ: (لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتّى‏ يَتَفَقَّهُوا)، وعليه فإن الخطوة الأولى والمهمة لجعل الأسرة أسرة دينية جوهرية هو أن تكون الأسرة عالمة وعارفة بأحكام الدين وفلسفة الإسلام.

2- إن التدين القشري والتدين الحقيقي، وهو ذاته الفرق بين الانتماء الظاهري للإسلام والانتماء النابع من القناعة القلبية، ومن هنا لا يمكن أن تكتفي الأسرة بتعليم أولادها الصلاة والصيام وبقية العبادات والاحكام، بعيداً عن غاياتها وأهدافها وما يتجلى عنها من قيم وبصائر، فعندما يمارس الطفل هذه الشعائر بحكم العادة وتقليد الآباء، فإن ذلك سوف يكرس الارتباط القشري بها، فكل عمل يؤديه الإنسان بدون أن يكتشف الدافع الحقيقي خلفه والقيمة المحركة له سوف يكون مجرد مظهر اجتماعي ليس إلا، ومن هنا لا يجوز الاكتفاء بمعرفة فلسفة الاحكام وقيم التشريعات فحسب، وإنما يجب تجسيدها كصور واقعية في الحياة اليومية، فلو كان الأب مثلاً يأمر ولده بالصلاة ولكنه بعيد جداً عن قيم الصلاة، فإن هذه الصلاة لا تترك أثراً حقيقياً في نفس هذا الطفل، فالأب الذي يلتزم بالعبادات ولكنه سيء الخلق مع أسرته أو مع محيطه الاجتماعي، كيف يطمح لتربية أطفاله على الاخلاق الحسنة؟ بل، حتى لو كان لطيفاً في تعامله ولكنه مثلاً يتابع على التلفاز وأمام أطفاله الأغاني الماجنة والأفلام الفاضحة، فإن مثل هذا الأب لا يمكنه أن يحمي طفله في المستقبل من الانحراف والانجرار خلف الشهوات والغرائز، فالإسلام ليس مجرد طقوس وعبادات وإنما هو حِكم وقيم وبصائر، ومن دونها يكون تدين الشخص مجرد قشور فارغة لا معنى له، وتحقيق البصيرة موقوف على الاعتقادات الحقة والإتيان بالتكاليف الشرعية على وجهها، فإذا انسجم علم الإنسان وعمله صلح شأنه وسعد في حياته، أما الجاهل بحقيقة الإيمان أو الذي يتعبد تقليداً للمجتمع لا يمكنه أن يدرك ما به صلاحه فيكون شقياً في حياته وكدراً في معيشته، ومن هنا نفهم ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: (لا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلا لِرَجُلَيْنِ: عَالِمٍ مُطَاعٍ، أَوْ مُسْتَمِعٍ وَاعٍ)

3- المحيط الاجتماعي والعلاقات الإيمانية يشكلان عاملاً مهماً في الحفاظ على تدين الأسر، فمهما يحرص الآباء على تعاليم الإسلام داخل بيوتهم فإن ذلك لا يكون مؤثراً بشكل كبير مالم يكن المحيط الاجتماعي الاوسع يشاركهم نفس الهم والتوجه، فلابد للأسر أن تختار المكان المناسب والأفراد المؤمنين لتشكيل علاقاتها الاجتماعية، فحتى لو كانت الأسرة في داخل بيتها محافظة إلا أنه لا يمكن حبس الأطفال داخل البيت، فمصيرهم الخروج إلى المدرسة وإلى الشارع، وعلى الإباء خلق المحيط المناسب بقدر الإمكان، وعلى أقل التقدير يجب أن يكون لهم ارتباط دائم بالمراكز الدينية والعتبات المقدسية والتجمعات الإيمانية ونحو ذلك.

4- علاقة الآباء بالأبناء يجب أن تسودها المحبة والمودة، ويقوم ذلك على التفاهم والتناغم المشترك فيما بينهم، ولا تكون مجرد محبة عاطفية غرائزية لا تهتم إلا بدلال الأطفال وتنفيذ رغباتهم، كما يجب ألا تكون علاقة الأب بأولاده علاقة فوقية قائمة على بسط الهيمنة والنفوذ على الأولاد، وإنما تكون على أساس أنه مؤتمن على حفظهم وتربيتهم ومراعات حقوقهم، فإن ذلك سوف يحقق نوعاً من التفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء.