صراع الأجيال بين الآباء والأبناء.. كيف نعالجه؟

لم اعد أستطيع العيش مع اهلي

د. نبيل سرور:

«هم لهم عاداتهم وأنا لي عاداتي.. لهم أفكارهم التي تصلح لزمانهم ولي أفكاري.. يريدون إلزامي بما هم عليه من حال يحاكي القدم والرتابة والتقاليد التي عفا عليها الزمن، وأنا أريد أن أواكب العصر بما فيه من علاقات وانفتاح وتقنيات وبرمجيات حديثة وتطور علمي.. إنني أعيش صراعاً عنيفاً مع جيل أهلي القديم، وحياتي معهم إن استمرت على هذه الحال، فإنها تتجه إلى نفق مسدود..»​ يقول أحد الشباب.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

بالمقابل، يشرح أحد الآباء - بحرقة - الواقع الصعب الذي يُكابده مع ابنه الجامعي، والخلافات الكثيرة في وجهات النّظر، وفي مقاربة المسائل والأحداث والوقائع، فيقول:

«منذ مدة ليست بالقصيرة، أنا وولدي نعيش مرحلةً من الصّراع الخفي وأحياناً الظاهر، تجاه كثير من المسائل الاجتماعيّة أو السلوكية ومُفردات الحياة. فولدي لديه نظرته، وأنا ووالدته لنا نظرتنا، تُجاه الكثير من الأمور المشتركة. هو يرى أنني أتمسّكُ بأمورٍ وتقاليد عفا عليها الزمن، ولديّ قصورٌ كبير في مواكبة التقنيّات الحديثة التي أنتجَتها تكنولوجيا العصر... لقد بدأت هوّة الاختلاف بيننا وبينه تتّسع مع نهاية المرحلة الثانويّة. ومع بداية المرحلة الجامعيّة، أصبحَت خلافاتُنا تزدادُ حدّة حول الكثير من الأمور والمواضيع، سواء فيما له علاقة بالأسرة أو بعلاقاتِه مع أصدقائه وأصحابه».

ثمة أسباب عديدة لاختلاف وجهات النظر بين جيل الآباء والأبناء. ولعلّ الأزمة الرئيسة التي تُميّز المراهقة، هي أزمة البحث عن الهويّة. ففي تلك المرحلة تختلط الأدوار التي يتطلّع المراهق لاختيارها، فهو يريد أن يُحقّق دور الراشد المستقلّ عن الأسرة، والزميل المُخلص لقيم الأصدقاء، وفي الوقت نفسه الابن الطيّب في أسرته.

دراسات ميدانية

ومن خلال اختبارات الميول التي أجرتها الدراسات الميدانيّة في الأكاديميّة البريطانيّة للعلوم السيكولوجيّة والهادفة لإلقاء الضوء على ظروف الأحداث الجانحين، جرى التوصل إلى النتائج التالية:

- 58% من المُستطلَعين يعتقدون أنّ الاختلاف أو التباين مع الأهل هو بسبب اعتقاد الشابّ أو الفتاة، أنّه مُمسك بزمام التقنيّات الحديثة والتعامل الماهر معها، كالكمبيوتر وأجهزة الاتّصال والبرمجيّات، وغيرها من وسائط التكنولوجيا المتنوّعة. فبينما يعتبر أنّه مطّلع على كلّ ما هو جديد ومتفاعل معه ومواكب له، يعتقد بالمقابل، أنَّ الأهل مُتخلفون عن مواكبة أسباب التقدّم والتكنولوجيا الحديثة، والتفاعل معها.

- 43% من المُستطلَعين يرون أنَّ مرحلة الصراع لإثبات الهويّة، قد تستمرّ مدّة طويلة وربّما سنوات من عُمْر الفرد. وقد تأخذ الصراعات المحتدمة بين الآباء والأبناء، أشكالاً من العدوانيّة أو النفور، أو التمرّد على الأهل أو الوقوف ضد المُحيط...!؟

- ترى 62% من المُستطلَعين في عيّنة إحصائيّة عشوائيّة من الأسر في الدول العربيّة، أنّ أشكال الرّفض أو الخلاف بين الأهل والأبناء قد تتطوّر إلى أعمال عدوانيّة، ربَّما تصل إلى حدِّ ارتكاب جريمة أو الاعتداء الجسديّ المباشر في بعض الأحيان..

- ويرى علماءُ النفس والاجتماع أنّه، من الناحية النفسيّة – السلوكيّة، تُصاحب مرحلة صراع الأجيال بين الشاب وأسرته أو بيئته، حالات من التوتّر أو الانفعال في سبيل تأكيد الذات والإمساك بزمام المعارف وصياغة القرار المستقلّ.! وهذه الظواهر تُرافق عادة مراحل نموّ الفرد الفيزيولوجيّ، كما هي الحال في نُضوج نموّه الفكريّ.

مقترحات وحلول

إنّها مشكلة أجيال وقيم وعادات متوارثة. تتغيّر وفقًا لمتغيّرات الحياة وسرعتِها، مع كلّ ما تحمِلُه من تحديّات وتوازنات ومتطلّبات مادّية، تفرض نفسها على كلّ المنظومة الاجتماعيّة والحياتيّة، حيثُ الأهلُ والأبناء مِحوَرَي حركتِها وديناميَّتِها.

وفيما يلي مجموعة من الحلول والمقترحات تصُبُّ في خانةِ معالجةِ ما يُعرف بأزمةِ الهويّةِ لدى الشباب، أو بصراع الأجيال داخل الأسرة:

• التفهُّم الواعي من قِبَل الشباب للدورِ الهامّ الذي يقوم به الوالدان في رعاية مسيرة ابنهم. فهم قدّموا عمرَهم وتعبَهم في سبيل سعادة الولد وراحته وتأمين مستقبلِه العلميّ والوظيفيّ.

• إنّ العطاء والتفاني من قبل الأهل، يجب أن يُقابَل بالوفاء وحُسن الرعاية من قِبَل الأبناء. وبالتالي ينبغي أن يكون التعامل مع الأهل من منطلَق الاحترام والعرفان بالجميل. وذلك على قاعدةِ الآية القرآنيّة: ((وقُل رَبِّ ارحَمْهُما كمَا رَبّياني صَغيِراً)) (الإسراء: 24).

• الاقتداء بالأهل كقدوةٍ صالحة من خلال التصرُّف الواعي والحكيم الذي يتمثّل في سلوكَ الأهلِ الناضج الذي خبـِر الحياة، فيستفيد من تجاربِهم ويقتدي بسيرتِهم.

• الابتعاد عن أصحابِ السوء والرفقةِ الفاسدة. ذلك أنّ الأصحابَ والرفقاء المنحرفين أو الفاسدين، قد تُتعب الأهل وتجعلُهم يعيشون القلق على أبنائِهم وبسبب عدم القدرة على ضبطِ محيطِهم في هذا الزمن الصعب.

• التخفيف ما أمكن من المتطلّبات التي تُرهق كاهل الأهل وتجعلُهم ينوؤون بأعباءِ الديون والمشكلات الماليّة. وفي هذا المجال من الجيّد أن يُشعر الشابّ أهلَه بالتعاطفِ معَهُم فيما هم فيه من سعي لتأمينِ لقمةِ عيشٍ شريفة، تنهضُ بالأسرةِ وتؤمّنُ مستلزماتِها.

• بالحكمة يبدأ التخطيط لبناء فرد سليم متوازن وفاعل، لينخرط في المجتمع ويؤثّر فيه. وبالتوازن والعقلانيّة يمكن لصراع الأجيال أن يكون منطلقًا لإيجابيّةٍ ترسمُ هويّةَ شبابِنا وفتياتِنا، بعيدًا عن تعقيدات الواقع المنحرف، والأساليبَ الملتويةَ التي قد تجتذب بعض الشباب من خلال بيئات مخرِّبة.