انفتاح ممزق.. هل أصبحنا نعبد ’الموضة’؟!

البناطيل الممزقة بين غياب القانون وضياع القيم

كتب علي العيساوي:

في ظل الانفتاح وسرعة نقل البيانات التي يشهدها العراق، بشكل غير مسبوق ما تنفك بعض الظواهر من الانتشار في المجتمع كتلك التي تستهدف أجيال المستقبل من العادات، واحدها ما شاع مؤخرا من الملابس والأزياء، ومن المفارقات التي يقف التفكير عندها إن هذه الملابس سبق ان كانت غير مقبولة بالنسبة للشاب ذاته فما عدا مما بدا؟!

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فما يُلاحظ اليوم من سلوكيات منحرفة هو نتيجة اضطراب فكري، اذ ان التقاطع الثقافي، والملتمسات المادية الكثيرة التي لم يألفها المجتمع لفترات طويلة، ومن ثم اُتيحت له الفرصة بشأنها، وخصوصا للشباب للأسف بعض منظومات القيم التي كانت حاصلة فيما يتعلق بالموضة كل ذلك أثر بشكل او بآخر بالمنظومة السلوكية او الثقافية التي يحملها الشباب اليوم.

فمن الظواهر الغريبة التي بدأت تغزو أوساط شبابنا من الجنسين وإن كنا نستغربها أكثر على الشباب الذكور، حيث نجد أن الكثير من هؤلاء بدأ يظهر في ملابس إلى حد الإضحاك، فمنظر ذلك الشاب وهو يقطع طرقات الأسواق جيئة وذهاباً بملابسه الممزقة، والتي تعتبر الأكثر جرأة في عالم الموضة والأزياء في الفترة الأخيرة، والتي بدأت بالبنطلونات الجينز الممزقة من الأمام على «الركبة»، ثم تطور الأمر لتصبح الفتحات خلفيه لتظهر أماكن حساسة بالجسد.

الملابس الممزقة، وخاصة «البناطيل» باتت ظاهرة واضحة في شوارعنا، على وقع استياء مواطنين نتيجة لثقافة غربية دخيلة على مجتمع شرقي ملتزم، ضاربين عرض الحائط بقيم وتعاليم إسلامية، وعادات مجتمع، وتقاليد معمول بها في بلادنا الاسلامية.

ماركات عالمية، تصنع منها تلك الملابس الممزقة، وتروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومحال ضخمة، تبيع تلك الملابس، واللافت في الأمر، الإقبال عليها خاصة في الآونة الأخيرة، وما أن تسأل من يرتديها عن سبب إقباله على ذلك، يجيب: «موضة».

هذه الجملة الأشهر التي يجاوب بها الشباب عند سؤالهم عن سبب ارتدائهم الملابس الممزقة او غيرها من أشكال الموضة، فهل نحن أصبحنا عبيد لما يسمى الموضة أم مضطرين دون تفكير لارتداء ما تصدره لنا تركيا والصين، أم نحن الذي نفرض عليهم ذوقنا وميولنا نحو الخروج عن المألوف فيصنعون ما نطالبهم به.

دراسة لعلماء نفس توصلت إلى أن الأشخاص الذين يفضلون لبس البناطيل الممزقة يعانون خلل فكري، وقد يعني ذلك أنهم مصابون بمرض انفصام الشخصية.

وحول هذه الظاهرة، يقول الدكتور درداح الشاعر، رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات: لا شك أن زي الإنسان يعبر عن حالته النفسية، وزي الإنسان يعكس نظامه القيمي والأخلاقي والأدبي، ويعكس الثقافة المجتمعية التي يحيا فيها الإنسان بل ويعكس مدى اتزان الشخصية أو اضطرابها، ولا شك أن هناك بعض المظاهر فيما يتعلق باللباس ظهرت نتيجة حركة التغير الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع بشكل خاص.

فيما أكدت أستاذة علم الاجتماع التربوي الدكتورة حلا منصور: أن الأمر ليس له علاقة بالتعليم والثقافة أو الدين أو حتى العادات والتقاليد، لكن الذوق العام اختلف للأسوأ، وهؤلاء الشباب يلهثون وراء الموضة والتقاليع ويعتقدون أن هذا هو التميز والقيمة، بعكس الماضي الذى كان الجميع يعلم أن الشعور بالقيمة يكمن في التفوق الدراسي أو جمال الشخصية أو التميز في الأخلاق، وللأسف تم فقدان كل هذه المعايير لتكون سبب من أسباب التميز، فبدأ هؤلاء الشباب في رحلة بحث على أشياء «تافهة» يجدون فيها التميز من وجهة نظرهم الخاصة.

فكم نتمنى أن نجد شبابنا وقد أعاد صياغة شخصيته بشكل جديد فعلاً ولكن بفكره وأسلوبه ومنهجه الخاص الذي لا يتأثر بأزياء الغرب وتمايل أجساد العرب فضائياً وإنما يطرح نفسه كنموذج متقدم يقلده الآخرون.

ونلفت الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أننا لا نطالب الشباب اليوم أن يكونوا صورة مكررة من رجال الأمس لقناعتنا أن لكل زمان رجاله وبالتالي لكل رجال فكرهم وأسلوبهم في الحياة، ولكن ما لا نتقبله هو أن يعيد شبابنا من الجنسين صياغة شخصياتهم بشكل يجعلهم صورة ممسوخة من شباب الغرب حيث افتقد شبابنا للهوية الوطنية الخاصة التي تميزهم عن غيرهم وليتهم أخذوا عن شباب الغرب جديته فهل يمكن أن نرى هذا الشاب.

أسباب الظاهرة

يتبادر السؤال ليبحث عن إجابة منطقية هل إن الإقبال على تلك الأزياء ناتج عن تقليد المشاهير ومسايرة للموضة كما هو حال قصات الشعر والتسريحات، والإكسسوارات الغريبة التي هي الأخرى أخذت حيزها من اهتمامات الشباب، أم إنها جاءت تأثرا بما يُنشر عبر وسائل الاتصال الحديثة التي تُعد من أهم مقتنيات شبابنا أم هناك أسباب أخرى؟

1. عولمة الثقافة: لم تحدث واقعاً فعلياً في أي مجال من مجالات الحياة، بقدر ما أحدثته عولمة الثقافة في المجال الشبابي، فبعض الشباب ينغمس في تقليد النموذج الغربي إلى حد ضياع الشخصية التي تم إعادة صياغتها في ضوء البث الفضائي الأجوف في غالبه.

فارتداء هذه الملابس في الغرب أمر اعتيادي جدا للشباب، وهذا ما يتناقض تمامًا مع عادات وتقاليد مجتمعنا المُحافظ، الذي يستمد ثقافته وأسلوب حياته من تعاليم ديننا الحنيف، الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق والتهذيب، ويرفض ويستنكر كل ما هو خارج عن الفطرة الإنسانية، التي تدعو إلى الحفاظ على ما يميزنا كمسلمين.

الباحث الاجتماعي د. رسول مطلق، قال: ان المجتمعات الإنسانية في ظل التغير العولمي ومده، تتعرض لتغييرات مستمرة، مشيرا إلى ان هذه التغييرات لم تترك فئة او شريحة الا ونجد عليها بصماتها، وأحيانا تكون البصمة ايجابية، كالإنترنت واستخداماته الايجابية باختصار الوقت وتقليل الكلفة وسهولة نقل المعلومات، وأحيان أخرى تكون سلبية كبصمات الفوضى والأثر ثقيل والسلبي له [الانترنت].

واضاف أن بعض الشباب أصبح في ظل هذه الهجمة وانفتاح أبواب المد العولمي على مصراعيها ودون السيطرة على ذلك الوضع، يعيشون حالة اللامبالاة التي انسحبت على نظامهم الحياتي بشكل كامل.

2. تأثير الإعلام: يرى بعض المراقبين أن المشكلة الحقيقية تكمن في القنوات الفضائية وبالأخص الدراما والسينما حيث أنها دائما ما تظهر الشباب ذوو المستوي الاجتماعي الراقي بملابس غير محتشمة فأصبح مترسخا في نفوس كثير من الشباب أنه كلما تخلى عن الحشمة وقلد ما يراه في التلفاز أصبح في عيون الناس شاب (سبورت) ومن وسط راقي بينما الواقع على العكس تماماً أولاد العائلات المحترمة هم من يرتدون ملابس بسيطة وعصرية ومحتشمة، فعنما تصبح الملابس الممزقة موضة للمترفين، تأكيد على قوة تأثير الإعلام على العقل الفارغ للإنسان.

خاصةً وأن الشباب الصغير من المراهقين ودون ذلك، يجتذبون إليها بشكل واسع، ظنًا منهم أن ارتداء هذه الملابس هو نوع من أنواع التجديد، علاوةً على أنها تجعلهم مميزين وسط أقرانهم من الشباب.

3. التفكك الأسري: إن عدم المتابعة من الوالدين وترك الأولاد بدون مراقبة وتوجيههم على الجادة الصحيحة يجعلهم معرضين للانحرافات الاخلاقية، لأن الشاب في تلك المرحلة من العمر يحتاج الى من يزرع في نفسه محاسن الأخلاق والقيم النبيلة لا أن يجعله.

وهذا ما أكدته أستاذ علم النفس الدكتورة سلوى عبد الباقي قائلة: أزمة الهوية ليست البعد عن الدين لأن الدين بناء روحي وقيمي، وليس تعليمي، إلا أن الأزمة الحقيقية تكمن في انخفاض المد الأخلاقي، ولابد أن يستيقظ المجتمع من «الغيبوبة»، وعدم خلط الأوراق، التي من الممكن أن ترجعنا للخلف 1600 عام.

4. غياب القانون: لعل من الأسباب المساعدة على انتشار هذا النوع من الملابس هو عدم وضع قانون صارم من قبل الدولة يمنع استيراد الملابس المنافية للآداب العامة والأخلاق الاسلامية، فترك التاجر بدون قانون واضح يفسح المجال أمامه في جلب كل مايدر عليه من الاموال سواء كان ضمن الأطر المقبولة أو كان منافيا للأخلاق العامة.

توصيات:

ومما ذُكر يبدو جليا ان الحفاظ على اتزان المجتمع وثقافته، وحيثياته التي تعبر عن أدبياته وأخلاقه وتميزه عن غيره من المجتمعات، مسؤولية تضامنية بين الأسرة التي تعد المسؤول الأول والإعلام، فدور الآباء هام في بث شعور داخلي لدى هؤلاء الشباب بأهميتهم ومساعدتهم في بناء أنفسهم والبحث عن مستقبلهم، وليس فقط بالاكتفاء بالصرف والبذخ دون أدنى توجيه لهم.

وهذا ما طالبت به أستاذ علم النفس الدكتورة حلا منصور: على أباء هؤلاء الشباب بإعلان حالة التمرد العام داخل المنازل وإعادة الحسابات الأسرية والمجتمعية من جديد، مؤكدة أنه كلما تقبل المجتمع لمثل هذه التقاليع، كلما زادت، وتطل علينا كل يوم بجديد، مثل تقليعات قصات الشعر والبنطلونات الشارل ستون وتسقيط البناطيل لدى الشباب.

ومن ثم يأتي الإعلام باعتباره المخاطب للعقول دون قيد، وقد يكون هو الأقرب لها والأقدر على إقناعها في حال صعب ذلك على العائلة، وإعادة النظر في وسائل (نشر ثقافتنا) ولابد من إنتاج برامج ومسلسلات وأفلام تتحدث عن ثقافتنا الإسلامية ومزايها، وتوظيف متخصصين في علم النفس والاجتماع في أطقم شرطة المجتمع.

كما لا يخفى دور المدارس والجامعات في تنبيه الشباب وتوعيتهم حول خطر الحضارة الغربية الرامية إلى قتل ثقافة الإسلام، وعدم الاقتصار على المناهج العلمية البحتة في التعليم، فلابد من ربط مثل هذه الظواهر بقضايا المجتمع الكبيرة والخروج عن المألوف، هؤلاء الشباب ليس لديهم شيء حقيقي يملئ الفراغ الروحي والمعنوي، ولديهم احتياجات روحيه لابد من توظيفها بشكل سليم، فلا ضير من الانفتاح والتغيير، فهو سمة ايجابية للمجتمع ولكن ليس بطريقة يتم معها التخلي عن مبادئه وأخلاقياته.

يجب اتخاذ الأساليب الرسمية المتمثلة بالرقابة على الأسواق والتجار، وإصدار القوانين التي تتضمن المظاهر التي تتعارض مع النظام والآداب العامة، وعلى وزارة التجارة أن تتصدى لمستوردي الملابس الممزقة التي تعري ولا تستر، هذه مسؤوليتها وتفرض غرامات عالية لبائعيها.