حرية وTrend : صمتنا عن ’المجاهرة بالفسق’ جريمة!

حرية اليوم.. ما يجب أن ترفضه فطرتك السليمة

كتب مريم حسين العبودي:

في خضّم الازدهار الذي يكاد يشمل اليوم كل مفاصل الحياة وعلى كافة الأصعدة، فإن الكثير من الأمور تغيبُ عنا، ربما لشدة انشغالنا في أحداث عصرنا الحالي والسرعة الهائلة التي تمر بها أيامنا، ولأن هنالك دائماً أولويات لكلٍ منا أو لندعوه اختلاف في الاهتمامات بين فردٍ وآخر.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

لكن لا بد من وقفةٍ نولي بها اهتماماً لمجريات الأحداث في الكون من حولنا، حتى تلك الأحداث التي تقع في الجزء الآخر من الكوكب، هي بشكلٍ أو بآخر ترتبط بنا، كونها تمس بشراً مثلنا أو أرضاً ننتمي لها أو تُمهد لمستقبلٍ يشملنا تأثيره بمحاسنه ومساوئه.

إن المقاصد السامية للرخاء والتحضر لا تنطوي بأي صورةٍ من الصور على المجاهرة بالعمل السيء أو تجنب الاعتراف بتأثيره علينا أفراداً ومجتمعات، ولم نصل لهذا المستوى من الانفتاح والتمكن من التواصل بيُسر في ظرف ثوانٍ معدودة ووفرة استعمال الأجهزة الذكية لنُعامِل ما هو مُستهجن بطريقةٍ تجعل منه أمراً عادياً لا يستحق أن يلقى أي اهتمام، أو لنجعل ذكاء البرمجة التي نحيا من خلالها والتي تتداخل مع أبسط تفاصيل يومنا منذ لحظات الاستيقاظ الأولى، ذو سطوةٍ على بساطتنا الفكرية.

إن خطورة الأمر تكمن في إن كل شيء يغدو طبيعياً يوماً بعد آخر، حتى إن كنا في قرارةِ أنفسنا نُدرك إنه ليس كذلك، لكن علامات التعجب بدأت تضمحل، وعلامات الاستفهام قد عفا عليها الزمن. الشؤون التي كانت تُثير حفيظة شعوب كاملة، وتفتعل حروباً، باتت اليوم لا تعدو كونها حدثاً ينحصرُ في بضع جُمل ومرفقٌ بصورٍ أو مقطع مرئيّ، تليه تفاعلات الكترونية باردة، ملصقات تعبيرية، وجملٌ مستنسخة أو مسروقة بوقاحةٍ واضحة.

لم يعُد هنالك شيء يثير فينا الفزع أو يستوقفنا لأكثر من خمس دقائق ليجعلنا نطرح على أنفسنا السؤال الآتي، "مالذي يجري؟ أين أنا من كل هذا وما هو دوري؟" ( قتلٌ، تكفير، اغتصاب، تشويه، هتك حُرمات، تعدّي على الذات الإلهية، تنمر، مجاهرة بالفسوق، مفاخرة بالشذوذ، تحرشٌ بالأطفال، اشاعة العنصرية، تعذيب، ومسخ مستمر لكل مظاهر الحياة الطبيعية). هذا في كفة، وعدّه أمر طبيعي كأنه نشرة أخبار يومية تقليدية، هذا في كفة أخرى تماماً.

الصمت، التقبل، الشعور بأن الأمر لا يعنيك، هذا بحد ذاته جريمةٌ كبرى، أن ترى الوقائع العظيمة هذه كأنها لسان حال العصر! فنحن في القرن الحادي والعشرين، العالم يتغيّر! كأننا نُعدّه تطوراً أو من دواعي التحرر والمطالبة بحرية الرأي، بات الحق يُرى بشكلٍ عكسيّ، حق المجاهرة بالجريمة، حق الخروج عن طبيعتك التكوينية.

نحتاج أن نُعيد فهم فلسفة التحرر والتطوّر الذي يُمليه علينا المطالبين بهذا التحرر، أن نفهم كيف ينحر أحدهم أخاه ثم يقوم بالتسويق للسكاكين على إنها أداة تُمارس بها حريتك المشوهة تلك..

الأمر لا يُقاس بمدى انتشار الفعل، فالناس اليوم باتوا مُبرمجين على تقنيات توهمهم بأن الأعلى مشاهدةً والأكثر تسجيلاُ للإعجاب هو الأفضل، ثقافة الـ Trend تكتسح زوايا نظرنا لما حولنا، المقاطع التي تحصد أكثر من مليون مشاهدة، هي بالتأكيد الأفضل، وإن لم أرى الأمر كذلك فهذا يعني أن هنالك خلل ما في ذائقتي، وإلا فكيف يكون مليون شخص معجب بشيء لا أراه أنا يستحق المشاهدة حتى! حطموا معاييرنا، شوهوا ذوقنا، دسوا سمومهم بشكل غير شعوريّ في دمائنا، أشهر شركات الإنتاج والتسويق هي شركات ملوثة، تبُثُ دخانها الخانق في أنفاسنا في الوقت الذي نستشعره هواءً عذباً ونسير خلف أهدافها ببصيرةٍ كفيفة.

ما تراه طبيعياً اليوم، ما تمرُ عليه مرور الكرام، دون أن يحترق بسببه قلبك أو يستنكره عقلك أو تعارضه فطرتك السليمة، لابد أن يحصل ذات يوم لك أو للمقربين منك، حينها سترى فداحته، ستقول ليتني ما صمتُّ عنه حين كان يحلُ على غيري، شعورك إنها أمور تتطلب أن تُرفضها هو بحد ذاته وقفةٌ في وجه الظلم.