في الشوارع والأزقة: أصوات مرتفعة في كل مكان.. ما الحل؟!

من الملاحظ أننا أصبحنا نعيش يوميا في حالة من الضوضاء المستمرة سواء في الشارع أو المنزل أو المدرسة أو العمل‏، التي تعتبر من أبرز مظاهر التلوث السمعي‏.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 ويرى المتخصصون أنها تؤثر على الذكاء ومستوي التحصيل والتفهم والاستقرار أيضا.. ومن أبرز أشكال هذه الضوضاء الأصوات المرتفعة ولا شك أنها عادة سيئة ولكن ما أسبابها وتأثيرها وكيف يمكن التخلص منها؟

توضح د.هبة محمد وجيه قطب أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية أن هذه الثقافة تميز مجتمعات حوض البحر المتوسط مثل إيطاليا واليونان ودول الشرق الأوسط، ولهذه الشعوب بعض الجوانب الإيجابية مثل دفء المشاعر والحميمية، ولكن هناك جوانب سلبية أخرى، منها كثرة استخدام الإشارات بالأيدي والصوت العالي، وتنشأ ثقافة الصوت العالي عند الطفل من البيت من خلال الأم أو الأب، ويعتاد عليها شيئا فشيئا حتى تصبح عادة مكتسبة، ومن أبرز هذه الأمثلة أن نجد الأم تنادي علي ابنها من غرفة لأخرى، وهناك سلوكيات أخرى تزيد من هذه الثقافة داخل البيت مثل فتح الراديو أو التليفزيون باستمرار طوال اليوم مع ارتفاع صوته حتى لو لم يشاهده أحد، وفي أثناء حديث العائلة أو ضيوفهم مما يتطلب منهم رفع أصواتهم أكثر حتى يمكنهم أن يستمعوا لبعضهم البعض، ويمتد هذا السلوك وينمي في المدرسة بتشجيع التلاميذ علي رفع أصواتهم من خلال التلقين الجماعي وأشهرها صباح الخير يا أستاذ، وكذلك تعويد الطالب على رفع صوته لكي يجيب أو يسمع بسبب كثرة عدد التلاميذ في الفصل الواحد، ولايخص هذا السلوك طبقة بعينها ولكن يمكن ملاحظته بسهولة في كل طبقات المجتمع ولكنه يزيد بالتأكيد في الطبقات الدنيا، كما أنه قد يكون مؤشرا لضعف الشخصية وقلة الثقة بالنفس أو دليلا على ضعف الحجة، فيستخدم الشخص صوته العالي كحيلة دفاعية لتعزيز موقفه، وقد يكون أيضا وسيلة لجذب الانتباه أو لفرض السيطرة على المتلقي.

حتى حياتنا السياسية لم تخل من هذه الظاهرة، فنجد الاحتجاجات والاعتصامات يصاحبها دائما أصوات عالية وصراخ، كانعكاس لحرارة العواطف التي تميز شعوبنا على عكس الدول الباردة والشمالية التي نجد الاحتجاج فيها يتم بطريقة متحضرة عن طريق رفع لافتات تعبر عن مطالبهم في صمت، وقد تكون رسالتها الصامتة أعلى صوتا من الصراخ ، وتوضح أن هناك موروثا حضاريا يستنكر صوت المرأة العالي والذي يتميز بعلو نبرة الصوت حيث يفقدها أنوثتها، ويؤيد ذلك الشارع المقدس بان صوت المرأة اذا يشتمل عليه من الترقيق والتحسين ويكون مهيجا عادة للسامع فاللازم التجنب عن ذلك، وتؤكد هبه أن علو الصوت غير مطلوب للجنسين دون تفرقة.

وهناك مشكلات تنشأ نتيجة ثقافة الصوت العالي خاصة عند الأطفال منها القلق والخوف والتوتر والعصبية، وتؤثر على الجهاز السمعي كما تؤدي إلى ارتفاع نسبة الخلافات، فأحيانا نفس الكلام إذا قيل بصوت عال يحمل رسالة سلبية أو انطباعا خاطئا، كما أن الضوضاء تندرج تحت بند التلوث السمعي حتى إذا كانت قصيدة مرتفعة الصوت أو آلة تنبيه السيارة، كما أن كل الأبحاث أثبتت أنه كلما زادت الضوضاء من حولنا كلما قل معدل التحصيل الدراسي ومعدل الذكاء والقدرة على الاستيعاب.

والحل كما تراه د.هبة هو أن يبدأ كل فرد بنفسه أولا، فالأم تبدأ بخفض صوتها في أثناء تعاملها مع أولادها وتنهاهم عن استدعاء بعضهم بعضا من الغرف المختلفة، وخفض صوت التليفزيون أو غلقه في أثناء الحديث أو في وجود ضيوف ويفتح فقط عند الرغبة في مشاهدة برنامج أو فيلم معين، وذلك من خلال التدريب، فيمكنها أن تمتنع عن إجابة طلب الابن إلا عند خفض صوته، ويجب تشجيع المدرسين على خفض أصواتهم في المدارس والامتناع عن ظاهرة التلقين الجماعي، والامتناع عن استخدام آلات التنبيه إلا عند الضرورة القصوى مثل الدول الغربية، وغيرها من الملوثات السمعية مثل الميكروفونات والأصوات المرتفعة للباعة الجائلين.