نزاعات زوجية.. تعني: براءة محطّمة!

الأب والنزاع مع الزوجة

كتب د. علي القائمي:

لا بد أن تقوم وظيفة الأب في تربية الولد وحمايته وبنائه وتنمية أبعاده الوجودية على التفاهم والاتزان والتقويم من أجل أن يتحقق أمن الأسرة واستقرارها لكي يمكن الوصول إلى تربية مناسبة، وإن الأب هو المسؤول عن توفير هذه الأجواء والإمكانات المطلوبة لأسرته وأهل بيته .

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فما أكثر الأمور التي تحصل في محيط الأسرة فتعرض أمنها واستقرارها إلى الخطر وتؤدي بها إلى الاضطراب، ولو أدرك الآباء نتائج هذه الاضطرابات لامتنعوا حتما عن أساليبه الخاطئة، إلا أن يكونوا من الذين لا يشعرون بمسؤولياتهم ولا يهمهم صلاح أولادهم وخيرهم.

الإفراط في النزاعات

قد يكون مستحيلا أن نقول بأنه لا تحدث أية مشكلة في الأسرة وخاصة في تلك المجتمعات التي لا يقوم فيها الزواج على ركائز صحيحة بل يتدخل فيها الإكراه والمصلحة، فلا بد أن يحصل الجدال ۔ قليله أو كثيره في محيط الأسرة ولكن باختلاف واحد وهو أنه سيكون سبباً إلى المزيد من التوافق في الأسر المسلمة والملتزمة بينما نراه يكون سببا للحقد وتصفية الحسابات التي لها امتدادات خارج البيت غالبا في الأسر الأخرى.

فلا بأس من الجدال لو كان ضمن الحدود المتعارف عليها، غير أن الخطر يبرز عندما يؤدي إلى حدوث نزاعات وترديد كلمات الفحش والضرب، وفي هذه الحالة كيف سينظر الطفل إلى والديه؟

كيف يمكن للمرأة التي تعرضت للضرب من زوجها وأمام طفلها أن تكون أماً له؟ أو كيف يمكن لذلك الأب الذي تعرض للإهانة والاحتقار من زوجته أمام طفله أن يكون أباً له؟

ألا يعتبر هذا واحداً من العوامل التي تؤدي بالطفل إلى أن يكون لا يبالي  فيمارس سلوكا سيئاً؟

الإسلام والمداراة

يخطئ بعض الآباء عندما يجعلون من محيط الأسرة ساحة للمبارزة فيقف فيها الطرفان وجها لوجه، ولا يمكن للحياة أن تقوم إلا على أساس الصفح والمداراة والاحترام وضبط النفس من أجل أن تتحقق سعادة الأولاد. فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: "عيال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلى الله عز وجل أحسنهم صنيعة إلى أسرائه".

ونقل عن الإمام الصادق (ع) قوله: «اتقوا الله في الضعيفين المملوك والمرأة».

تأثير النزاع على الزوجين

إن النزاع بين الزوجين يؤثر عليهما أيضا، فقد يحقق الأب هدفه ظاهرياً من خلال النزاع مع زوجته أو ينفس عن قلقه وآلامه، لكن الحقيقة أن هذا العمل يضره .

فالاختلاف والنزاع بين الزوجين يهدد العلاقة الحميمة بينهما ويجرّها إلى الخطر، وإن البيت سيتحول والحال هذه إلى بؤرة للمشاكل فلن يكون مرغوباً به وسوف ينشا أفراده عصاة ولا أباليين.

لا بد أن تقوم العلاقة بين الزوجين على الحب والتفاهم والاحترام المتبادل بينهما وبين أولادهما لكي ينشأ الأولاد مطيعين سويين في سلوكهم، أما النزاعات فإنها تجعل الحياة مظلمة وكذلك بالنسبة للأولاد، إذ ستفقد الزوجة ثقتها بزوجها وتسوء العلاقة بينهما.

عقوبة إلحاق الأذى

لا يمكن التغاضي عن ذريعة إلحاق الأذى بالزوجة، فمن حق المرأة أولا أن تكون محترمة، وإن الرجل الذي لا يبالي بذلك فقد عصى خالقه، ولا بد أن ينال عقابه المناسب.

جاء عن رسول الله (ص) قوله: «من اتخذ زوجة فليكرمها»، وقال أيضا: "فإن الله ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان"

نعم، فقد تكون المرأة ضعيفة، وإن الرجل قادر على إلحاق الأذى بها بسبب قوته، ولكن عليه أن لا ينسى بأن الخالق جل وعلا يقف له بالمرصاد، وإنه جلت قدرته هو المدافع عن الضعفاء، ويصدق هذا الكلام بشأن الطفل أيضا لعدم امتلاكه قدرة الدفاع عن نفسه.

تأثيرات ذلك على الأولاد

للنزاع بين الوالدين أعراض خطيرة تؤثر على الأولاد ولا يمكن لنا أن نشير إلى جميعها لكننا سنذكر فيما يلي بعضها:

1ـ اختلال عملية الانضباط: عندما يحصل النزاع بين الوالدين فإنه يؤثر على انضباط الأطفال وعدم اكتراثهم بأوامر الوالدين، وتعتبر هذه إساءة كبيرة للزوجين.

وثمة خطر آخر يهدد الأسرة أيضا ألا وهو انقسامها إلى معسكرين أو صفين حيث سيتبنى كل طفل موقفة معينة فيكون إلى جانب أمه أو أبيه، ويدافع عنه. وهذا ليس في صالح أي من الوالدين .

2ـ إساءة الظن بالوالدين: قد يكون أحد الوالدين محقا في هذا النزاع ولديه أدلة قوية وكثيرة، إلا أن الطفل يحمل تصورة مختلفة عن هذا الموضوع.

إنه ينظر نظرة خاصة تقوم على إدراكه وتفكيره فيدين مثلا طرفاً معيناً.

وقد يلجأ الأب للإساءة إلى الأم ويحاول إقناع الطفل بأنه على حق في ذلك النزاع، لكن هذا لا يعني أن الطفل سيقبل بوجهة نظر أبيه رغم سكوته الظاهري، بل سيعتبر الأب مذنبا فيسيء الظن به بمجرد أن يشاهد بكاء أمه وتوددها إليه.

3ـ توقف عملية النمو: أشارت بعض الدراسات في المجتمعات الغربية أن نزاع الوالدين في محيط الأسرة يؤدي إلى توقف عملية نمو الطفل وظهور مشاكل جدية في هذا المجال.

وقد تقل شهية الطفل للطعام أو يحصل تباطؤ في عملية الهضم بسبب حدوث خلل في إفرازات بعض الغدد، وهذا كله بسبب شعور الطفل بالغم والحزن.

ويؤدي نزاع الوالدين أيضا في حال مرض الطفل إلى تباطؤ عملية شفائه واستعادته لصحته وسلامته، أو قد يؤدي إلى مضاعفة المرض بسبب ازدياد غمه .

4ـ السلوك الاجتماعي المنحرف : يؤدي نزاع الوالدين وعدم توافقهما، بل وحتى سلوكهما غير متزن وكلامهما غير منسجم إلى تمهيد الأجواء لأن يسلك الطفل سلوكا اجتماعياً منحرفاً فيلجأ إلى الجريمة مثلا، ويمكن أن تشاهدوا آثار ذلك في سلوك الطفل وعمله.

فالجحيم الذي يؤججه بعض الآباء لأولادهم في الأسرة يكون سببا للعديد من حالات الاضطراب التي تؤثر بشدة على حياة الأفراد الحالية والمستقبلية، وعندنا نماذج كثيرة لجأ فيها الأولاد إلى الفساد والانحراف والإجرام.

5ـ  تحطيم المعنويات: وأخيرا، يؤدي النزاع إلى تحطيم معنويات الأولاد ويجذر في نفوسهم حالات القلق والاضطراب، فما أكثر الأولاد الذين يشعرون بالقلق بسبب ذلك، أو أنهم يشعرون بالألم جزاء نزاع الوالدين .

وسبب شعورهم بالقلق هو إحساسهم بأن أمنهم في خطر، ويتوقعون بأن عواقب سيئة تنتظرهم، أما سبب شعورهم بالإثم فهو خوفهم من أن تكون أخطاؤهم هي السبب في ظهور هذه الحوادث.

إذ سيتعرض نموه الجسمي للخطر وتضعف معنویات  ذلك الطفل الذي يشاهد باستمرار حدوث نزاع بين والديه، ويرتجف دائما بسبب خوفه، وأنه سيكون قاصراً عن التعامل مع شؤون الحياة المختلفة مما يزيد الطين بلة.

وأخيرا:

فإن السلوك الخاطئ للوالدين واضطراب الأسرة، وضعف الأواصر بين الزوجين يدفع الطفل إلى الشعور بفقدان الأمن، وينظر إلى الحياة نظرة متشائمة، ويتصف الأطفال الذين ينمون ويترعرعون في ظل هذه الأسر بالهزال، واصفرار البشرة وانهيار المعنويات والإصابة بتخلف دراسي، والتخلف بسلوك سيء في التعامل مع الآخرين.

وإنهم لا يشعرون بالحيوية أبدا، ولا ينامون نومة مريحة، وتنعدم رغبتهم في الكلام، بل سيصابون بتأخر في النطق لمن هم دون الثالثة من العمر كما أشارت إلى ذلك التجارب العلمية .

المصدر: كتاب دور الأب في التربية