يرسّخه الإعلام: قبول الأفكار بلا تقييم.. ماذا تعرف عن ’العدوى الاجتماعية’؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

تُظهِر الأبحاث أنَّ البشر يُقلِّدون كثيرًا من السلوكيات ويتبنّون العديد من الأفكار دون وعي.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

يُعدُّ التقليد أداةً فعالةً أحيانًا لفهم الآخرين والتعلُّم منهم؛ فمن خلال فعل ما يفعله الآخر؛ نفهم أسبابه ودوافعه، ويُتاح لنا التعلم من أخطائه وعدم تكرار التجارب غير المجدية نفسها من خلال تطوير نُسخٍ أفضل لهذه الخيارات أو الأفكار أو التصرفات. ومن جانبٍ آخر؛ فالتقليد طريقةٌ فعالةٌ لنقل المهارات والثقافات، إضافةً إلى ذلك؛ يخدم التقليد وظيفةً اجتماعيةً كونه أداةً قويةً في ربط الناس وتوحيدهم معًا (1)، وامتدادًا لهذا المفهوم تظهر ظاهرة العدوى الاجتماعية (Social Contagion) أداةً وصفيةً وتوضيحيةً للظواهر الاجتماعية المختلفة (3). 

مُصطلح العدوى نفسه له جذوره في اللغة اللاتينية، ويعني حرفيًّا (من اللمس)، لذلك فهو يُشير إلى عملية انتقالٍ عن طريق اللمس أو الاتصال، وفي هذا السياق يُعرِّف قاموس مايكروسوفت (Microsoft Dictionary) العدوى بأنها: "انتقال المرض عن طريق الاتصال المباشر مع شخص أو كائن مصاب، ويطال الأمرُ انتقالَ الحالة العاطفية".

تُشير العدوى في هذا التعريف إلى:

1) الانتقال الاجتماعي عن طريق الاتصال للأمراض البيولوجية.

2) الانتقال الاجتماعي العاطفي-العدوى الاجتماعية، من حيث الحالات الاجتماعية والثقافية (3).

في قاموس بنجوين (Penguin Dictionary) لعلم النفس تُعرَّف العدوى الاجتماعية ببساطة بأنَّها: "انتشار نشاطٍ أو مزاجٍ من خلال مجموعة". في حين يعتمد قاموس أكسفورد المختصر لعلم الاجتماع (Oxford Dictionary of Sociology) التعريف الآتي: "الأفكار التي تتحرك بسرعة عبر مجموعة". أما في القاموس الموسوعيّ لعلم النفس (Furnham 1983) فيُعرِّفها بأنّها: "شكلٌ من الإثارة الجماعية حيث تنتشر العواطف والأنماط السلوكية بسرعةٍ ويقبلها أعضاء المجموعة على نحو غير ناقد وغير عقلاني" (3).

نرى في التعريف الأخير نقطةً محوريةً في ظاهرة العدوى، وهي غياب التفكير النقدي والموضوعية، وقبول الأفكار أو السلوكيات بطريقةٍ مباشرةٍ دون أنْ تخضع لتقييمٍ ذاتيٍّ من الفرد (3). وتظهر العدوى الاجتماعية في حالات تبني الآراء واعتماد المعايير عن أمرٍ ما أو نشر الشائعات والتعامل معها وغيرها (2). يكون انتشار التأثير أو السلوك عبر مُحفِّز (شخص ما إلى الحشد)، ولا يوجد سبب واضح لحدوث هذا الانتشار بين الحشد، ومما لا شكَّ فيه أن الإعلام يؤدي دورًا مهمًّا في هذا الجانب (3). في حالات العدوى المعقدة غالبًا ما يكون مُحفِّز الانتشار هو مجموعةٌ من المُحفزات، أي تَعرُّض الفرد إلى مصادر متعددةٍ للعدوى (2).

يمكن تقسيم أبحاث العدوى السلوكية إلى ستة مجالات واسعة، بناءً على طبيعة السلوك المنتشر؛ وهي:

1- العدوى الهستيرية؛ وهي شكلٌ قويٌّ من أشكال العدوى العاطفية، إذ تظهر آثار مشكلةٍ أو مرضٍ بدنيٍّ على مجموعةٍ من الأشخاص، وهي التي قد يكون السبب وراءها نفسيًّا أو اجتماعيًّا.

2- عدوى إيذاء الذات المتعمدة (DSH - Deliberate self-harm) التي كانت محطَّ اهتمام أبحاث العدوى الاجتماعية، ويعدُّ الانتحار مثالًا أنموذجيًّا على هذا النوع.

3- عدوى السلوك العدواني.

4- عدوى انتهاك القاعدة والخروج عن القانون، تدخين المراهقين وتعاطي المخدرات والجنوح إلى ارتكاب الجرائم يُمكن أن يعدَّ مثالًا.

5- عدوى سلوك المستهلك من حيث انتشار الموضات الاستهلاكية بين السكان.

6- العدوى المالية التي تظهر في سلوك أسواق الأسهم، إذ تنتشر الاضطرابات من سوقٍ إلى آخر (3).

في محاولةٍ لشرح ظاهرة العدوى الاجتماعية؛ طُوِّرَ نوعان من النظريات؛ يشير النوع الأول إلى أنَّ انتشار التماثل الاجتماعي هو نتيجة التقليد الواعي والمتعمد في المواقف التي عادةً ما تكون غير مسبوقة أو غامضة لدى الفرد. أما النوع الثاني، فُسِّرت العدوى فيه نظرًا إلى الظروف السابقة التي تسبق الظاهرة والتي يُمكن ملاحظتها (3).

مثالٌ على النوع الأول من التفسير هو نظرية المعيارية الناشئة (Emergent Norm theory) لرالف تيرنر ( Ralph Turner 1919-2014) التي تنصُّ على أنَّ انتشار السلوك في مجتمعٍ ما يكون نتيجة محاولات واعية ومتعمدة للالتزام بالمعايير الاجتماعية من التفاعل المعقد والدقيق داخل الجماعات. فعندما يواجه الأفراد مواقفَ غامضة؛ لا يُمكنهم التأكُّد من كيفية التصرف حيالها، يلجؤون إلى التقليد والاقتداء الواعي والمتعمّد واستخدام الآخرين (الحشود) مُوجهين للسلوك (3).

ومثالٌ على التفسير الثاني هي نظرية اللّاتَفرُّد (Deindividuation)؛ أي فقدان الإدراك الذاتي وتذويب الذات داخل الجماعة، إذ إنّ الطبيعة المجهولة للجماعات يمكن أن تولد انخفاضًا في ضبط النفس لدى الأفراد. ويُؤدّي هذا المزج إلى إخفاء هُوية الفرد؛ وبذلك تجنّبِ تحمّل النتائج والمساءلة الشخصية، فيلجأ إلى الانخراط في سلوك الجماعة الذي قد لا يلائم شخصيته في الحقيقة (3).

قد تفسر هذه النظريات ظاهرةَ العدوى في بعض الظروف، ولكن لا يمكن إسقاطها لفهم جميع الحالات نظرًا إلى كونها ظاهرة واسعة تخضع لتأثيرات متغيرة بحسب طبيعة الأفراد والمجتمع والخلفيات الفكرية والثقافية والنفسية داخله.

المصادر: 

1- Behavioral Contagion (SOCIAL PSYCHOLOGY) - iResearchNet [Internet]. Psychology. 2016. Available from

2- Iacopini I, Petri G, Barrat A, Latora V. Simplicial Models of Social Contagion [Internet]. Nature News. Nature Publishing Group; 2019. Available from

3- Marsden P. Social Contagion [Internet]. Stanford University; 2005. Available from

*نقلا عن الباحثون السوريون