منها السخرية: سلوكيات ’مدمّرة’ لطفلك.. لا تفعلها!

عن الإمام (السادس) جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:

"أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم"

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير أثناء تربيتهم لأبنائهم، وذلك بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكيات كما يمكن لأحد أن يكسر عظمة طفل، فإنّه في نفس الوقت يمكن للمرء أن يكسر روح الطفل، إنّ التقليل من شأن الأطفال وإهانتهم والحط من شأنهم يقوّض من إحساس الطفل بذاته.

إنّ الاعتداء اللفظي هو عبارة عن الاستمرار في الشتائم، وتجاهل أو رفض الطفل "اتمنى أنّك لم تولد"، "أنت غبي للغاية"، "أنت لا قيمة لك"، إنّ هذه الكلمات يصدّقها الأطفال خاصّة وإن سمعوها من آبائهم أو مدرسيهم أو غيرهم ممن يحبون ويثقون، كما يعتبر الأطفال بمقدرة على أن يرد مثل هذه الإهانات أو الإساءات بين الحين والآخر، إلّا أنّ استمرار هذه الإهانات أو الإساءات يمكن أن تسبب الضرر في شخصية الطفل، وبغض النظر عما إذا صاحبت هذه الشتائم اعتداء جسدي وجنسي، أو من تلقاء نفسها فإنّ آثارها ستكون مدمرة.

حيث يقع كثير من الآباء والأمهات في خطأ كبير أثناء تربيتهم لأبنائهم، وذلك بسخريتهم الدائمة من بعض السلوكيات التي يقوم بها الطفل أو من خلال نطقه غير الصحيح لبعض الكلمات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الشأن بل يمتد ليتحول إلى سخرية وتقليل من شأن الطفل مما ينعكس على نفسيته بشكل سلبي.

ويرى "د. جمال شفيق أحمد"- رئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس- أن "الكثير من الأطفال في فترة الطفولة يكون لديهم خلل في نطق الحروف والكلمات، فيعمد الأهل إلى السخرية من هذا الشأن، ولا يعي الطفل لما يضحكون ولكن بمرور الوقت يبدأ الطفل في فهم من حوله حتى ولو لم يظهر ذلك، ويبدأ في كتمان غضبه من سخريتهم له ومع الوقت تتربى بداخله كثير من العقد التي يعاني منها أهله عند كبره وهم لا يعلمون أنهم السبب في هذه العقد والمشاكل النفسية.

وكذلك الشأن بالنسبة للدراسة، فقد نجد الطفل متفوقاً في مواد معينة ويخفق في مواد أخرى، والأجدر أن نشجعه على تقدمه في المواد المتفوق فيها، ونحفزه على التقدم في المواد التي لا يجيدها دراسياً، ونعينه على اجتيازها، ولكن الكثير من الآباء والأمهات لا يفعلون ذلك بل يلجأوا إلى تعنيف الطفل والتقليل من شأنه، وفي أحيان كثيرة إلى مقارنته بأخ له أو زميل وهو من أكثر الأخطاء أيضاً التي يقع فيها الآباء؛ لأن ذلك يدفع الطفل إلى كراهية من يقارن به، ويتعمد في ذات الوقت عدم الاستجابة لهم بل ويتمادى في السير على الدرب الخاطئ، بالإضافة إلى أن ترديد بعض الكلمات غير المرغوب فيها على مسامع الطفل مثل كلمة "فاشل" أو "غبي"، - وغيرها من المصطلحات التي يجب ألا يتعامل بها الآباء مع أبنائهم - ترسخ في أذهانهم، وتجعل شخصياتهم سلبية وليست.. كل ذلك يجعل منهم أشخاصا غير أسوياء نفسيا ولديهم إحساس بعدم الثقة في النفس، مما ينعكس على علاقته بالآخرين عند الكبر.

ومعظم الأشخاص الذين يعانون من هذه العقد والمشاكل النفسية، إذا نظرنا إلى طفولتهم فسنجد أنهم عاشوا طفولة مشوهة وتعرضوا إلى قسوة شديدة من قبل الأهل، فلابد إذن من استخدام الأساليب الراقية في التعامل مع الأطفال حتى في وسائل العقاب، ويجب البعد عن كل ما يؤذي الطفل نفسياً ومعنوياً وذهنياً.

ومن أهم الاحتياجات النفسية التي يحتاجها الطفل وكثيرا ما نهمل في منحها إياه خلال سني حياته الأولى هي الحاجة إلى الاحترام.

يظن الكثير منا أن الطفل لا يفهم معنى الاحترام ولا يشعر به مما يدفعنا إلى سهولة إهانته اللفظية والبدنية ولا نجد أي حرج في ذلك؛ لأنه طفل لا يفهم ولأننا نربيه، ومع الإهمال يظهر أثر هذا الإهمال في شخصية لا تحترم الآخرين ولا تحترم مشاعرهم بالإيذاء اللفظي والبدني.

فنجد الأم تشتكي من أن ابنها يضرب أخواته أو أصحابه.. ويعضهم ويؤذيهم.. يأخذ أشياءهم.. يسبهم.. يتعامل بعنف معهم.

وقد تشتكي من انزواء الطفل وضعفه.. يضربه أصحابه فلا يدافع عن نفسه.. يسبه الآخرون فلا يحرك ساكنا.. ضعيفا بليدا لا مباليا.

وهذه نتائج عدم الاهتمام بمشاعره، وإيذائه المستمر وعدم احترامه فيكون رد فعله شخصية انفعالية منتقمة أو شخصية منزوية تفضل الانعزال حتى لا تتعرض لمزيد من الأذى.

الطفل يحتاج إلى الاحترام أكثر مما يحتاجه الكبير.. لأن الكبير لديه من العقل ما يجعله يتقبل بعض الاهانات البسيطة والتي يعلم أنها غير مقصودة من أحب الناس إليه كوالديه مثلا.. لكن الطفل لا يعلم ذلك؛ لأن عقله لم ينم بعد وبالتالي وقع الإهانات والأذى النفسي قد تكون أكبر من وقعها على الكبير العاقل البالغ.

يحتاج الطفل إلى الاحترام حتى ينشأ إنسانا محترما في ذاته (بفتح الراء) محترما لغيره (بكسر الراء) وذلك عن طريق:

- احترم شخصيته وتفرده عن غيره فلا تقارنه بالآخرين من أقرانه.. أصحابه أو أخوته.. فالمقارنة كما هي مؤذية لك فهي تؤذيه أيضا.

- احترم شخصيته بسلبياتها (القبول): لا تعايره بعيوبه وأخطائه فهو طفل من حقه أن يخطئ كي يتعلم بالتجربة.

- احترم عقله وفهمه للأمور حسب عمره، فلا تسخر من أفكاره وكلماته وأسئلته البسيطة.

- احترم مشاعره وأحاسيسه وتعامل معها بجدية فلا تتجاهل غضبه ولا تقلل من قيمه مشاعره، ولا تهمل فرحته وسعادته.

- احترم لغته وألفاظه وطرق التعبير عن ذاته ولا تهزأ بطريقة نطقه للكلمات أو بأسلوب كلامه كالتهتهة مثلا.

- احترم قدراته وإمكانياته فلا تكلفه مالا يطيق ولا تقلل من حجم ملكاته ومهاراته.

- احترم أشياءه وملابسه ولعبه فلا تتعامل معها وكأنها ملك عام؛ بل استأذنه إن احتجت شيئا منها.

- احترم شكله وملامحه ولا تسخر منها.

- احترم رغباته وحاجياته بأن توافقه عليها وتناقشه فيها ولكن لا تسارع إلى تلبية أي رغبة إلا في حدود المعقول والمقبول.

- احترم علاقاته وأصدقائه فلا تسخر منهم ولا تكن دائم النقد لهم والعيب فيهم.

- احترم مدرسيه ومدربيه الذين يحبهم، فلا تذكرهم أمامه بما يكرهه.

- حاول أن تتعامل مع طفلك كانسان محترم تقدره وتحترمه حتى ينشأ كما تريد.

وإليك بعض السلوكيات المدمرة لاحترام الطفل لنفسه ولك وللآخرين:

- النواهي مع التهديد بدون فهم؛ لماذا هذا منهى عنه.

- الأوامر مع التهديد بدون فهم لماذا هذا مأمور به.

- النقد الهدام والتركيز على الفشل والأخطاء.

- الإهمال لحديثه والانشغال المستمر عنه، وعدم منحه الوقت الكافي للحديث معه.

- العبوس في وجهه بشكل مستمر.

- المقاطعة لفترة طويلة.

- السخرية من شكله أو تصرفاته أو بعض صفاته وكلماته.

- اللمز والتغامز عليه.

- التنابز بالألقاب وإلقاء ألقاب ساخرة أو معيبة عليه.

- الحديث عن أخطائه أمام الناس (الفضيحة).

- الغيبة وذكر أخطائه وعيوبه للناس، وتعريفه أنك قلت عنه هذا.

- السب والشتم والتجريح والتعيير.

- الضرب والصراخ وهو من أبشع الإيذاء النفسي، والذي نتهاون فيهما كثيرا.

التعامل مع الطفل يحتاج قدر كبير من الحساسية للأسف نفتقدها في تعامل الكبار بعضهم مع بعض.. ولكن تأثيرها على الطفل توجد جروحا وندوبا قد تؤثر على التكوين العام لشخصيته.

وكما ترعى الشجيرة الصغيرة بتغذيتها وحمايتها من الأمراض.. لابد أن تعطيها من الفيتامينات والأملاح التي تساعد على نموها.

سلوكيات تساعد الطفل على احترام ذاته، وتعلمه كيف يحترم الآخرين:

- افصل دوما السلوك عن الشخصية: لا تقل أنت مهمل ولكن قل: أنت لا ترتب حجرتك.. لا تتهم الطفل بصفات عامة حتى لا تترسخ في عقله صورة سلبية عن نفسه.

- الطفل غير مسئول عن تحقيق طموحك وتوقعاتك، فلا تكلفه من المذاكرة والاجتهاد ما لا يطيق. فلكل طفل قدرات.

- اعترف باستقلاله وفرديته، فهو ليس صغيرا وليس تافها.

- امنح لكل طفل ما يسعده، واحترم الاختلاف بين أبنائك.

- تقبل اقتراحات ابنك وناقشه فيها: الطفل مبدع يطرح أفكار مبدعة.

- تقبل صداقات الطفل. وناقشه حول المشاكل والأخطاء التي تقابله معهم.

- قارن بين واقع الطفل وماضيه ليس بينه وبين الآخرين: درجاتك الشهر الماضي كانت أفضل من درجاتك هذا الشهر.

- كلف الطفل ببعض المهمات التي تتناسب مع قدراته وشجعه وعلمه. كيفية تنفيذها فإن ذلك يعطيه الثقة في نفسه واحترام ذاته.

وأخيرا تعامل مع طفلك كما تعامل إنسان كبير في احترامه وتقديره حتى يعاملك بنفس الاحترام والتقدير، فما تزرعه ستحصده بعد حين.

المصادر:

دليل الآباء والأُمّهات في تربية الأبناء/ جمال ماضي

الجزيرة

ويب طب