الحجاب.. تحضر أم تخلف؟!

في هذا المقال سنستعرض أبرز الانتقادات التي يطرحها معارضو الحجاب:

1- من أهم ما يذكروه أن النساء يشكلن نصف المجتمع، والحجاب يحجزهن عن المجتمع، ويكون ذلك سبباً في تأخرهن الثقافي، وانعدام الاستفادة من هذه الطاقات العظيمة في ازدهار الاقتصاد؟

إلا أن أصحاب هذا المنطق قد غفلوا أو تغافلوا عن عدة أمور منها:

أولاً: من الذي قال إن الحجاب الإسلامي يعزل المرأة عن المجتمع؟ أوليس الواقع الاجتماعي في الكثير من بلاد المسلمين خير جواب عن هذا السؤال؟ وكما يقول الفلاسفة خير دليل على إمكان وجود الشيء حدوثه، وما ثبت بالوجدان لا يحتاج إلى البرهان.

ثانياً: أضافة إلى ذلك، أليس إدارة المنزل وتربية الأبناء الصالحين رجال المستقبل الذين يديرون عجلة الاقتصاد والسياسة في البلاد عملاً مقدساً؟ فمن لا يعد رسالة المرأة إيجابية ولا يعترف بدورها في الأسرة وفي التربية وفي بناء مجتمع سليم فعال؛ إما غافل أو متغافل عن هذه الحقيقة.

ولا يريدون إلا أن يغادر الرجال والنساء المنازل صباحاً – كالغربيين - ليلتحقوا بالدوائر والمصانع وهم يجعلون أبناءهم تحت رعاية الآخرين في دور الحضانة، أو يغلقوا عليهم المنازل ليعيشوا في معتقل دون رعاية، حتى يعود الوالدان من العمل وقد أرهقهما التعب.

إن افتقاد الأطفال لرعاية وعطف الأبوين، يؤدي إلى تحطم شخصيتهم ويُعَرِّض المجتمع إلى الخطر.

2- يعترض المخالفون للحجاب قائلين: إن الحجاب يفصل بين الرجال والنساء ويزيد في حرص الرجال بدلاً من إخماد هذا الحرص، لأن (الإنسان حريص على ما منع)؟

وما هذا القول إلا سفسطة واضحة يهدف أصحابها إلى تحقيق مشروعهم الإفسادي الواضح، ولكي يبرروا النتائج السلبية التي جرّتها عليهم هذه النظرية الشيطانية الباطلة.

فلو قارنا بين المجتمعات الإسلامية التي يسودها الحجاب والمجتمعات الأخرى نجد ارتفاع نسبة الولادات غير الشرعية وازدياد الطلاق بنسبة عالية، وغيرها من المفاسد الناتجة من الاختلاط اللا مشروع بين الرجال والنساء وعدم الالتزام بالستر والحجاب.

 الحجاب حضارة أم تخلف؟

يرى البعض أن الحديث عن الحجاب حديثاً اسطورياً بعيداً عن التطور والحضارة المعاصرة، ويتصورون أنه يعود لعصور خلت.

وبسبب الغزو الثقافي الغربي وسياستهِ الهادفة إلى إفراغ الشخصية الإسلامية من محتواها ومضمونها الحقيقي، وإغراقها في ألوان شتى من الترف الفكري والمادي من أجل القضاء على كل ما تحمله هذه الشخصية من عقائد إسلامية أصيلة، ومحتوى فكري إيماني. فيصبح الإنسان كالدمية يحرّكونها كيف شاءوا وحسب أهوائهم السقيمة. ولهذا يصبح الفرد المسلم ضعيف البصيرة طائش الفكر، لا يستطيع أن يميز بين (التبر) (الذهب) والتراب والحق والباطل، وهذا يؤدي بالتدريج إلى فقدان الأذن الصاغية لأي واعز ديني أو وعظ وإرشاد ينطلق من منابع الإسلام الأصيل. وقد أسمى الغربيون هذا العصر بـ: (عصر التعري والحرية الجنسية).

والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال: هل من الصحيح بقاء النساء في سباق لا نهاية له في عرض أجسامهن وتحريك شهوات وأهواء الرجال؟ أو يجب تصفية هذه الأمور من أجواء المجتمع وتخصيصهاً بالأسرة والحياة الزوجية؟

منهج الإسلام في هذا إن الأمور الجنسية خاصٌ بالأزواج ومحرمةٌ على غيرهم، لأن ذلك يؤدي إلى تلويث المجتمع وانحطاطه. وقد أشار الكتاب الكريم إلى هذا المعنى بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*} (سورة النور: آية 30-31).

فلا ينبغي للمؤمن أن يبهره ما لهؤلاء الجاحدين من مال وبنين وحياة مترفة، ثم عاقبة أمرهم إلى السعير، فإن الدين الإسلامي هو دين التكامل والسمو والطهارة الروحية لا تدانيه حضارة ولا يرتقي إليه دين.

كما إن العقل البشري مهما علا وسما لا يستطيع أن يؤسس لحضارة أكمل وأشمل من حضارة الإسلام، لأنها من صنع الله تعالى الذي أتقن كل شيء صنعاً. فهل تستطيع العقول البشرية أن تنشئ قانوناً أو تضع قيماً أو مبادئ كالتي أرساها القرآن الكريم، أو ما جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من لدن الحكيم الخبير. وشتان بين قدرة الإنسان وقدرة الرحمن خالق الإنسان والمنعم عليه.

*مقتطف من كتاب التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة