خلو القرآن من أسماء الأئمة (ع): تعرّف على ما هو أبلغ من التصريح بها

إن الدين عقائداً وأحكاماً أصولاً وفروعاً لا يمكن اقتصار استنباطها من القرآن الماثل بين أيدينا فالوحي الواصل إلينا سواء أكان بعنوان "القرآن" ام بعنوان "السنة" يجب الأخذ به والعمل بموجبه لعدم الفرق بينهما من جهة المعنى كما مر في مقالات سابقة بينا فيها وحدة وتطابق القرآن الكريم بالسنة.

القرآن الكريم

نعم، وحي السنة من النبي (صلى الله عليه وآله) لفظا بخلاف القرآن فهو لفظاً ومعنىً من الله تبارك وتعالى، وعلى هذا الأصل الأصيل والبناء الرصين يصبح من الإلحاد في الوحي التفرقة بينهما في الأخذ والعمل فيؤخذ بالقرآن مثلا وتترك السنة، وعليه فلو بين لنا النبي (صلى الله عليه وآله) اسم الوصي صح لنا القول إن إمامته جاءت في القرآن بالبيان النبوي، وقد وقع ذلك فعلاً من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فأشار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالوصاية في مناسبات وأحاديث شتى في عناوين نذكر منها للمثال لا الحصر:

1ـ حديث المنزلة والذي جاء بصيغ منها ما اشتمل على لفظ الخلافة ومعناها: (لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي في كل مؤمن). 

وهو حديث صحيح، رواه كبار المحدثين وصححوه كالذهبي والحاكم([1])، وكذلك حسّنه الألباني([2]).

والحقيقة أكثر من ذلك فإن أصل الحديث متواتر كما نص على ذلك السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة([3]).

2 ـ وحديث الغدير المتواتر (من كنتُ مولاه فعلي مولاه...)

وقد نص على تواتره السيوطي أيضاً في قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة([4])، وحكم بتواتره الألباني أيضاً في السلسلة الصحيحة([5]).

3 ـ وحديث الثقلين المتواتر أيضاً، حكم بتواتره كلٌ من:

أـ سامي أنور خليل جاهين المصري الشافعي قائلا: ".. فحديث العترة بعد ثبوته من اكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم)، وصحته التي لا مجال للتشيك فيها يمكننا أن نقول إنه بلغ حد التواتر"([6]). 

ب ـ وأبو الفتوح التليدي أيضاً ونص عبارته:

".. والحديث وارد عن جماعة يفوقون العشرين بل أصله متواتر.." اهـ([7]). 

وغيرها من الأحاديث الصحيحة والمتواترة الدالة على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وما عرضناه ـ على اختصاره وإجماله ـ يغني اللبيب.

ذكر الوصف أبلغ

إنّ الإشكالية المزبورة تفترض أصلا مفاده إنّ الاسم دائما أوضح من الوصف، وهذا الأصل غير تام فإنّ الوصف قد يكون أبلغ من الاسم (العلم).

والسر في ذلك الاشتراك اللفظي الواقع في أسماء الأعلام من جهة وتضمنها ـ في الغالب ـ معنى الصفة من جهة أخرى ولهذا لم يعتبر النحاة أسماء الأعلام أعرف المعارف.

ولعله من هنا اكتفى القرآن الكريم بذكر أوصاف وعناوين لا تنطبق إلا على الأئمة كـ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([8])، و{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}([9]).

وقد أخرج البخاري عن ابن عباس إنه قال: " وَآلُ عِمْرَانَ المُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ..."([10]) وغيرها من الآيات.

حفظا للقرآن الكريم

من إحدى الوجوه المتصورة لحكمة خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة هو الحفاظ عليه وصيانة آياته الشريفة من سهام المنافقين، فيتهموا جبريل بالهجر في حال اشتمال النص القرآني على أسماء الأئمة ويشيعوا ذلك بين الأمة، كما وقع فعلاً منهم اتهام النبي (صلى الله عليه وآله)، الأعظم من جبريل نفسه ــ بالهجر أو بغلبة الوجع عليه، في الحادثة المشهورة بـ (رزية الخميس) حين أراد ان يكتب للأمة كتاباً يضمن لهم هدايتهم ويؤمّنهم من الضلال.

[ذات صلة]

عن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: «دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ»..."([11]). 

وما ربما يقال في المقام من عدم إمكان تصور ذلك لتعهد الله تبارك وتعالى بحفظه وصيانته صراحة بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([12])، فغير وجيه بالمرة بل أجنبي عن روح الإجابة السابعة، فإن مقصود الآية حفظه في الحقيقة والواقع لا في أنظار سائر البشر طرا، وإلا فما معنى اتهام المخالفين للشيعة باعتقاد تحريف القرآن؟! 

يتبع...________________________________________

([1]) المستدرك على الصحيحين: ج 3 / 143 / حديث رقم / 4652.

([2]) ظلال الجنة في تخريج السنة: حديث رقم / 1188.

([3]) قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: ص 281.

([4]) نفس المصدر السابق: ص277.

([5]) السلسلة الصحيحة: 4/330 / رقم الحديث / 1750.

([6]) الزهرة العطرة في حديث العترة: ص 69 ـ 70.

([7]) الأنوار الباهرة بفضائل أهل البيت النبوي والذرية الطاهرة: ص 14.

([8]) سورة المائدة: 55.

([9]) سورة آل عمران: 33.

([10]) صحيح البخاري: 4/163.

([11]) صحيح البخاري: 4/69-70.

([12]) سورة الحجر: 9.