كيف تعاملت المرجعية مع التظاهرات؟

​منذ خمس سنوات ومع أول بادرة احتجاجية شهدها العراق بشكلٍ ملفت وكعادة المرجعية أن تكون أباً يخطو مع أولاده أي خطوةٍ ينشدون فيها مستقبلهم، وهو بهذا يؤدي دورين؛ إماطة الأذى والمتربصين وإزالة العوائق والممانعين من التقدم.

في عام 2015حذرت المرجعية الذين يمانعون من الإصلاح وتنبأت بعودة الاحتجاجات، في خطبة الجمعة (2015-09-25): "فإنّ الإصلاح ضرورة لا محيص منها وإذا خفت مظاهر المطالبة به هذه الأيام فإنها ستعود في وقت آخر بشكل أقوى وأوسع".

وقبل أكثر من سنة في عام 2018 عادت الاحتجاجات بأقوى وأوسع وشهدت الكثير من الأحداث ووقع الكثير من الشهداء، وارتكزت في مدينة البصرة التي تتميز بكثرة العطاء وقلّة الخدمات سيّما مشاكل المياه المالحة، وقد أوعز السيد السيستاني بعد شهرين من التظاهر الى وكيله السيد أحمد الصافي لحل مشكلة المياه التي تقاعست عنها الجهات الحكومية المعنية ووصل الأمر الى عدم صلاحية الماء لغسل الصحون فضلًا عن الاستخدام البشري والشرب منه! إضافة الى زيارته لعوائل الشهداء.

وقال في حينها السيد الصافي: "كُلّفنا من قبل سماحة المرجع الدينيّ الأعلى السيّد السيستاني(دام ظلّه) بمهمّة محدّدة، وهي مساعدةُ أهلنا في البصرة لتجاوز محنتهم الكبرى فيما يخصّ مسألة المياه، وما زلنا نواصل الليل بالنهار لوضع خططٍ وحلولٍ آنيّة ومتوسّطة وبعيدة المدى لتجاوز المشكلة، وباشرنا عمليّاً بالتنفيذ قدر استطاعتنا".

وعند تراجع التظاهرات وانتهائها، ظن من ظن أن كابوس التظاهر ولّى من غير رجعة وعاد الى سلطته وأمواله منتشيًا، لكن المرجعية عاودت تحذيرها بعد أن خفّت التظاهرات بنفس مقولاتها السابقة، بتأريخ 27/7/2018 "وقد حذرتهم في خطبة الجمعة قبل ثلاثة اعوام بأن الذين يمانعون من الاصلاح ويراهنون على ان تخف المطالبات به عليهم ان يعلموا أن الاصلاح ضرورة لا محيص منها، وإذا خفت مظاهر المطالبة به مدة فإنها ستعود في وقت آخر بأقوى وأوسع من ذلك بكثير، ولات حين مندم".

وفعلًا، عادت التظاهرات في تشرين 2019 وهي الأقوى والأوسع من سابقاتها ولازالت قائمة الى وقت كتابة هذه الحروف.

كيف تعاملت المرجعية الدينية مع التظاهرات؟

هناك من تعامل بالتفريط معها لأنه وكما لا يخفى على كل ذي لب الأطماع والمؤامرات والأحقاد والمغانم التي تراد للعراق ومن العراق، يتناهشه الجميع ويتكالب على أناسه مستغلّا ظروفهم للإيقاع بهم وتحقيق مآربه بواسطتهم؛ فهل تُخمد ويُطلب من الناس أن يعودوا أدراجهم بحجة المؤامرة وتأييد بعض الجهات التي كان لها أثرًا سيئًا على العراق والعراقيين؟

أم هل تترك الأمور على عواهنها وليحقق كل ذي مأرب مآربه وليفعل الناس ما يحلو لهم بحجة الغضب والحقوق المسلوبة كما هو منهج الإفراط؟

كلا، للمرجعية كلامٌ آخر نلخصه في مقامين:

الأول: تأييدها للاحتجاجات السلمية، الثاني: تصحيحها لمسارها من الانحراف والمحرّفين.

والمقام الأول نلخصه في عدّة نقاط:

١ - لو أن المرجعية ترفض مبدأ التظاهر مطلقًا لما تنبأت به لأكثر من مرة ولما استخدمته ورقة تحذير للمعنيين.

٢ - لقد أطلقت المرجعية وصف (معركة الإصلاح) مع أول بادرة احتجاجية موضحةً الغاية من الاحتجاجات بأنها للإصلاح، وعدّتها أشد وأقسى من معركة داعش في خطبتها المعروفة بخطبة النصر، [15/ 12/ 2017]:

"إنّ المعركة ضدّ الفساد -التي تأخّرت طويلاً- لا تقلّ ضراوةً عن معركة الإرهاب إنْ لم تكن أشدّ وأقسى، والعراقيّون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون -بعون الله- على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها أيضاً".

٣- أنها مساندة لها، بقولها إن: "المرجعية الدينية توضّح موقفها من الاحتجاجات الراهنة المطالبة بالإصلاح في ضمن عدة نقاط، الأولى؛ مساندة الاحتجاجات". 15/نوفمبر/2019

٤ - أنها متضامنة مع مطالبهم، بقولها:"إنّ المرجعية الدينية إذ تدين بشدة ما جرى من إراقة للدماء البريئة واعتداءات جسيمة بمختلف اشكالها، وتبدي تعاطفها مع ذوي الشهداء الكرام ومع الجرحى والمصابين، وتؤكد على تضامنها مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين ـ كما بيّنت ذلك في مظاهرات الأعوام السابقة أيضاً".

٥-  الاحتجاجات وسيلة فاعلة، بقولها: "لا شكّ في أنّ الحراك الشعبيّ إذا اتّسع مداه وشمل مختلف الفئات، يكون وسيلةً فاعلة للضغط على من بيدهم السلطة لإفساح المجال لإجراء إصلاحاتٍ حقيقيّة في إدارة البلد".[06/12/2019]

وغير ذلك الكثير.

ثم نأتي الى ما يعتبر منجزًا مضافًا لمنجزات المرجعية وعملًا دؤوبًا قامت به وأبوّة فائقة جسدتها مرّةً أخرى واحتواءً منقطع النظير أبرزته، ولا أُعدّ متكلمة بالغيب بل بالواقع المتحقق عندما أقول انها أنقذتنا من انزلاقات ومؤامرات كثيرة، حتى دعائها ذاك الذي صار وردًا للجميع قد استجيب، وسأعرض في عدة نقاطٍ أيضًا كيف أنها احتوت فكانت تحذيراتها من أجل عدم اعطاء فرصة لإنهاء المعركة، وكيف أنها رفضت أي شكلٍ من أشكال الانزلاق وتحت أي مبرر:

١- إنها لم تفتأ تذكر السلمية والتأكيد والتشديد عليها، ولا تكاد تذكر الاحتجاجات إلا وأعقبتها وأضافت لها لفظ السلمية، والتعامل مع المندسّين بالطرد وتمييز الصفوف: "وعلى المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا ـ ولا يسمحوا لهم باستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والاعتداء على أصحابها."[29/11/2019]

٢-  كشفت وحذّرت من: "إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار الى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة، فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك".. [29/11/2019]

٣- بعد أن بشّرت العراقيين في خطبة النصر بأنهم كما استبسلوا في معركة الإرهاب سيستبسلون في معركة الإصلاح نبّهتهم الى أن ذلك يتحقق: "إنْ أحسنوا إدارتها بشكلٍ مهنيّ وحازم".

٤- بعد مساندتها للاحتجاجات أعادت تأكيدها على: "والتأكيد على الالتزام بسلميتها وخلوها من أي شكل من أشكال العنف، وإدانة الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقتل أو الجرح أو الخطف أو الترهيب أو غير ذلك، وأيضًا إدانة الاعتداء على القوات الأمنية والمنشآت الحكومية والممتلكات الخاصة. ويجب ملاحقة ومحاسبة كل من تورّط في شيء من هذه الأعمال ـ المحرّمة شرعًا والمخالفة للقانون ـ وفق الإجراءات القضائية ولا يجوز التساهل في ذلك".

٥- بعد أن اعتبرت الحراك الشعبي الشامل ومتسع المدى وسيلة فاعلة وضعت شرطًا لتحقق غرضه بقولها: "ولكن الشرط الأساس لذلك هو عدم انجراره الى أعمال العنف والفوضى والتخريب، فإنّه بالإضافة الى عدم المسوّغ لهذه الأعمال شرعاً وقانوناً ستكون لها ارتداداتٌ عكسيّة على الحركة الإصلاحيّة، ويؤدّي الى انحسار التضامن معها شيئاً فشيئاً، بالرغم من كلّ الدماء الغالية التي أريقت في سبيل تحقيق أهدافها المشروعة، فلا بُدّ من التنبّه الى ذلك والحذر من منح الذريعة لمن لا يريدون الإصلاح بأن يُمانعوا من تحقيقه من هذه الجهة".

وفي الختام، ماذا لو تعاملنا في خطاباتنا سيّما على مواقع التواصل بخطابات المرجعية وأساليبها؟!