سوشيال ميديا: هل أصبح «التسقيط» و «التشهير» مهنة؟!

ما بالنا؟ أ هي الغفلة أم لا سمح الله جرحٌ في الهوية؟

نرى -سيّما في مواقع التواصل الاجتماعي- الكثير من الجهات والشخصيات الإعلامية التي تمتهن التسقيط والتشهير بالآخر وعدم مراعاة أي قاعدة تحفظ الحُرمة، والكلمات البذيئة المنطلقة من أفواههم وأطراف أقلامهم تأثّرًا ببرامج غريبة عن ثقافاتنا علّمتهم تلك الألفاظ المبتذلة.

وهؤلاء لهم دواعٍ عديدة، منها مأجورة، ومنها بحجة حرية الرأي وعدم عصمة المنتَقَد، ومنها لأجل سماع دوي التصفيق وحتى يُحسَب الناقد ضمن قائمة المتحررين.

لكن ما بالنا نحن الرافعون لشعار الهوية الإسلاميّة والتدين الأصيل؟ نحن ممن تعلّمنا البذاءة واستسهال التسقيط لنسلك سلوكهم عن تقليد أعمى لأخلاق بعيدة عن الإسلام، وينبئ ذلك عن تشوّه عميق في الهوية الإسلامية للفرد جعلته يتخلى عن جملة من الأحكام الشرعية بالغة الأهمية وراء ظهره ليُزيد ذلك بالتبرير المرعب الذي قد يصل الى وضع حجج دينية!

هذا التخلي والاستهانة سيوصلنا وأوصلنا الى مرحلة مُسخت فيها الهوية الإسلامية ونحن نرفع لواءها ونبغي الحفاظ عليها، وما هي الهوية الإسلامية غير هذه المنظومة الخُلقية التي يتعامل بها أحدنا مع الآخر لتكون فصلًا لنا عن الآخرين؟!

نحتاج الى مراجعة للمرويات الشريفة التي تقول مثلًا:

عن أبي جعفر (عليه السلام): «ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة، وكان يتمنى أن يرجع إلى خير».

[الكافي، ج ٢، ص ٣٦١].

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان!». [الكافي، ج ٢، ص ٣٥٨]

نحن أيضًا بحاجة الى مطالعة الرسالة العملية وآخر ورقتين من بحث التقليد التي تُذكر فيها أعظم المحرّمات في الشريعة الإسلامية:

«ومن أعظم المعاصي... غيبة المؤمن وهي أن يذكر بعيب في غيبته ممّا يكون مستوراً عن الناس، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا... سبّ المؤمن ولعنه وإهانته وإذلاله وهجاؤه وإخافته وإذاعة سرّه وتتبّع عثراته والاستخفاف به ولا سيّما إذا كان فقيراً، والبهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه»

[منهاج الصالحين، السيد السيستاني، ج١ العبادات]

هل ظننّا أن الأحكام الشرعية لا تشمل مواقع التواصل؟ فنذكر هذا وذاك في صفحاتنا ومجاميعنا بمائدة طويلة نأكل بها لحم أخينا ميتًا!

يخطئ الشخص-باعتقادنا- فنضرب كل الأحكام ونأتي لإبراز الخطأ وإذاعته ومن ثم تسقيطه في أعين الناس لأنه فقط خالفنا في رأيه أو خالفناه؟

نكتب هنا وهناك لمزًا وغمزًا بالناس ويبرر ذلك بالنصيحة وطلب التغيير، وننتظر من الله مثوبة على ذلك! ونسينا أن للنصيحة آدابًا إن تمت مراعاتها أثمرت وإلا أتت بنتائج عكسية، والآداب لا يراعيها إلا من أراد النصيحة فعلًا لا شيئًا آخر! ومثال ذلك ما أورده الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في رسالة الحقوق، حق المستنصح:

«حقّ المستنصح أن تؤدّي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به، وحقّ الناصح أن تليّن له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى الصواب حمدت الله عزّ وجلّ، وإن لم يوافق رحمته، ولم تتّهمه وعلمت أنّه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك، إلّا أن يكون مستحقًّا للتهمة، فلا تعبأ بشيءٍ من أمره على حال.»

وقال الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام): «من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.»

[بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٧٥، الصفحة ٣٧٤]

إن مرض التسقيط الذي اجتاحنا عائد الى الحروب الإعلامية التي تجري عندما يريد أحدٌ أن يغلب الآخر لكنه لا يملك مقومات الغلبة فيلجأ الى تسقيط خصومه من التيارات المخالفة له، أو هو عائد للأمراض النفسية وعُقد النقص التي يعاني منها البشر مذ خلِقوا، لكن ارتداداتها السلبية جمّة ومخيفة دنيويًا وأخرويّا، وهنا أستحضر مقاطع من خطبة الجمعة الثانية لممثل المرجعية الدينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي، بتأريخ 18 /1 /2019، والتي تناول فيها أنواع التسقيط وسأقتبس مما قاله حول التسقيط الاجتماعي وأختم به:

«والذي نراه كثيراً في صفحات التواصل الاجتماعي وفي احاديثنا احياناً من جملتها ان الانسان يتتبع زلاّت وعثرات وسقطات هذا الانسان سقطات وزلات اجتماعية واخلاقية يقوم بنشرها على نطاق واسع ويُشهّر بهِ فيؤدي الى تسقيط مكانته الاجتماعية لدى الاخرين.»

«من جملة التسقيط الاجتماعي تجد انسان واضح ومعروف اخلاقه وسيرته لا استطيع ان اسقطّهُ فليس عنده شيء.. اكذب عليه وافتري عليه وانسب لهُ فعلا ً والمشكلة الآن هذه الوسائل الاعلامية والقدرات الاعلامية وقدرات وسائل التواصل الاجتماعي فيها قدرة عجيبة على اقناع الاخرين ولو كان هذا ينسب شيئاً كذباً وافتراءً.»

«هناك اسلوب آخر تجد شخص ليس لديه زلاّت كبيرة وانما لديه زلاّت بسيطة ماذا أفعل؟ اكبّرها واضخمّها واصوّرها من شنائع الافعال وقبائح الصفات ولا اعطيها صورتها الحقيقية اضخمّها بحيث تعد شنيعة وغير مقبولة مذمومة اجتماعياً ودينياً اسقّط هذا الانسان..»

«ثم التفتوا اخواني الى قول الإمام الرضا (عليه السلام): ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً, فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين.»