كربلاء والنظرة الموعودة..

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع "الأئمة الإثني عشر

​في الموقف الكربلائي.. بين صفا الطف ومروته، حيث هرولت العقيلة تقطع أشواط الفراق.. وحيث حمل مقام التل اسمها، واحتفظ بصدى صرختها، اجتمعت تلك الأنفس التي قدمت من أربع رياح الأرض تحيي شعائر الله على ثرى العشق والوفاء والقداسة متراصة تحت أشعة الشمس الحارقة، تفرح بموضع جلوس صغير تظلله عباءة أو قبعة أو قطعة من قماش تصغي مع حاملها للدعاء الذي دعا به الحسين عليه السلام في عرفة وتستغرق في شعيرة تستأنس بها النفوس في أرض كربلاء.

الزوار ينتقلون كالحمائم البيضاء بين الحرمين.. كما الحجيج هناك في الأرض التي شهدت مهبط الوحي، ينهلون من كوثر الحسين عشقا ويستنشقون وفاء العباس عبقا طيبا.. ليلة عرفة شهدت إقبالهم.. يتوافدون ويتوافدون.. وتمر تلك السويعات مع اشتداد الحر.. يؤذن للصلاة.. يعم الصمت إلا من تكبيرات وبسملات أئمة الجماعة.. لتبدأ بعدها رحلتهم مع "اَلْحَمْدُ للهِ الَّذى لَيْسَ لِقَضآئِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِع، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ اَجْناسَ الْبَدائِعِ، واَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ... "

إنه وقت الدعاء.. ولا أحد يتململ من ضيق مجلسه أو من حرارة هذه الشمس التي غيرت الوجوه.. فهم زوار الحسين وقد عقدوا العزم على أن يكونوا من زائريه وما عساها الشمس التي غيرت وجوههم إلا أن تكون المفردة التي يعشقونها في دعاء الأمام الصادق لهم " فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيْرتها الشَّمْسُ " وما عساه المكان الذي اختاروه مجلسا إلا أن يكون الموضع الذي ستشرفه النظرة الإلهية الموعودة التي ستمنحهم درجة السبق على أهل الموقف في عرفة وهم يؤدون ما استطاعوا إليه سبيلا..

في كربلاء، وفي موقفها المبارك الذي جمع أهل الاعتقاد بقضية الحسين فأن كل شيء سيكون بعين الله .. والأمر مختلف كثيرا عن ذلك الموقف الذي شهد عصورا من كثرة الضجيج وقلة الحجيج..

لم نفارق الإيمان بهذه الأرض ولم يفارقنا.. فكربلاء مهبط الوحي الذي أكمل الرسالة في أرض النبوة وحل باكيا في أرض تضمنت جسد ريحانتها..

كربلاء تبكي حين تستمع لدعاء الحسين كما أنتم تبكون.. كربلاء تمنحكم روحها ومهجتها أيها الزائرون فما أعظم أرضها وهي تحتضن تلك الأجساد الطاهرة وما اعظم أرضها وهي تتشرف بنظرة الله الموعودة لكم فتنافس تلك الأرض المباركة في شرفها وعلوها. "

قال أبو عبدالله عليه السلام: إنَّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوَّار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عَرفات ويقضي حوائجهم، ويغفر ذنوبهم، ويشفِّعهم في مسائلهم ، ثمَّ يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك».