استفهامات المرجعية: دعوة للمحاسبة وليس السؤال!

*السيد أحمد الصافي

إخوتي أخواتي أبيّن بخدمتكم بعض الأمور، في الواقع هي عبارة عن مجموعةٍ من التساؤلات، كثيراً ما يأتي الإخوة الأعزّاء أصحاب الاختصاصات والشهادات والحرف، وعموم الناس تقريباً من جميع الشرائح الاجتماعيّة الموجودة في البلد، وعندهم مجموعةٌ من التساؤلات، بعضها سياسيّة وبعضها تساؤلات اقتصاديّة والأخرى اجتماعيّة وإداريّة، وللإنصاف إنّ أغلب هذه التساؤلات هي مشروعة، وقد لا تصل الى آذانٍ يُمكن أن ترتّب الأثر على ذلك.

هذه التساؤلات تحمل في طيّاتها معاناة، وهذه المعاناة قطعاً ليس من الصحيح أن تبقى، معاناةٌ تحتاج الى من يرفعها، حقيقةً وجدنا من المناسب أنّ هذه التساؤلات التي ترد من خلال الأوراق ومن الاتّصالات أن تظهر أمام الملأ، وهذه التساؤلات بعفويّتها هي تطلّعات الناس والشعب وذوي الاختصاصات الذين عندهم تساؤلات تحتاج الى أجوبة، وهذه التساؤلات تُطرح أمام مَنْ بيده القرار ومَنْ بيده الحلّ، سواءً كان شخصيّة سياسيّة أو اقتصاديّة أو إداريّة أو اجتماعيّة أو عشائريّة، بالنتيجة هذه التساؤلات ستبقى ما لم يوجدْ لها حلّ، أنا سأعرض التساؤلات وهذه التساؤلات كثيرة، قد نأخذ اليوم بعضها ونوفّق لعرض الباقي في يومٍ آخر، لكن بالنتيجة هذه التساؤلات نابعة من واقع ما نعيش، وطبعاً فليتّسع صدرُ مَنْ يرى نفسه مسؤولاً عن الإجابة عن هذه التساؤلات، كما قلت هي تساؤلاتٌ عامّة فيها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والإداريّة وكلّ شيء، نعم.. قد يكون محورها المركزيّ هو أنّ المواطن يشعر بالحيف، وبالنتيجة يطمح ويطمع أن يجد أجوبةً لهذه الأسئلة.

التساؤل الأوّل يقول: نحن كشعبٍ في العراق هل هناك أُفقٌ لحلّ مشاكلنا أو لا؟ أنا قلت سأتكلّم بشكلٍ صريحٍ جدّاً، هل هناك أفق؟ هل هناك نور؟ هل هناك سقفٌ زمنيّ حتّى تُحلّ مشاكلُنا أو لا؟ لماذا دائماً نحن مُتعَبون؟ لماذا دائماً نحن نُعاني؟ أما آنَ الأوانُ لنا كشعبٍ أن (نرتاح)؟ أن تُلبّى أبسطُ الحقوق الطبيعيّة لحياتنا اليوميّة؟ الى متى نحن نركض؟ الى متى ونحن نأمل اليوم وغداً حتّى شابت الناس، وماتت والرضيعُ بدأ يشيب ولا زالت مشاكلُنا لا تُحلّ!! أين المشكلة؟ حقيقةً هذا السؤال نحن نقف عاجزين عن الإجابة عنه، لكن لابُدّ أن نتكلّم، أين المشكلة؟ حقوقُ أغلب الناس غير موجودة، نحن نسمع بين فترةٍ وأخرى سيُشرّع القانونُ الفلاني، ستُصدَرُ التعليماتُ المعيّنة، ونترقّب كشعبٍ ثمّ لا تأتي النتيجةُ كما نحبّ، نحن نريد أن نعيش حياةً طيّبة.

نحن ذهبنا الى دول الجوار وسافرنا ووجدنا أنّ هناك إمكاناتٍ أقلّ من إمكانات البلد، لكن ما الفرق بيننا وبينهم؟ لماذا تلك الدول تلتزم بالنظام ونحن لم نلتزمْ بالنظام؟ كمؤسّسات دولة أتكلّم، مطلب هذا الكلام ليس سياسيّاً إنّما عن مؤسّسات دولة، لماذا الدولة لا تربّينا على الانتماء الحقيقيّ لمحبّة هذا البلد؟ لماذا؟!! الآن عندنا عشرات ومئات بل الآلاف من العقول لماذا لا نستجلب هذه العقول ونجلس معها ونقول: يا أيّتها العقول العراقيّة الراقية لماذا لا تحلّون المشاكل؟ لماذا يفكّر المواطن العراقيّ الآن بأن يخرج خارج العراق؟ تعب في تعب في تعب، الى أين؟ ما هي الفرص التي يجب أن نحصل عليها كشعب؟ نركض دائماً، ودائماً في خوف ودائماً في وجل.

الأطروحة الآن التي أمامنا، إعلاميّاً نحن في خوف، إعلاميّاً نحن في شكّ، البلاد تتجاذبها رياحٌ يميناً وشمالاً ونحن نتفرّج، الى أين؟ متى سيأتي الفرج؟ لماذا هذه الحالة عندنا في العراق؟ هل هي قلّة خيرات؟ كلّا، هل هي قلّة عقول؟ كلّا، هل هي لضيقٍ في المساحة؟ كلّا، إذن أين المشكلة؟ هل توجد علينا مؤامرات من العالم جميعاً؟ حتّى نفهم أفهمونا أيّها الناس، أين المشكلة؟ غير معقولٍ دائماً الشعارات والاهتمام وإذا جاءت الانتخابات -مثلاً- سترى أنّ أعزّ شيءٍ هو المواطن، بمجرّد أن انتهت الانتخابات هذا المواطن المسكين يرجع أسوء ممّا كان عليه، أين المشكلة؟ حقيقةً نريد أن نبحث عن المشكلة، إخواني هذا كلامٌ فيه معاناة، يعني أنّ الناس أقسموا علينا الى أين؟ وأين الحلّ؟.

المرجعيّةُ المباركة ركّزت على قضيّة الفساد منذ سنين، الناس تقول: نحن نسمع، قالوا: نحن نسمع الخطب والبيانات ونسمع عبارات تقول فيها المرجعيّةُ: (الفساد المستشري في مؤسّسات الدولة) منذ سنين، لماذا لا يزال الفساد موجوداً؟ من المسؤول عن هذه الأشياء؟ لماذا علينا دائماً أن ننتظر؟ وعلينا أن نصبر؟ وعلينا أن نتحمّل؟ أين المسؤولون؟ أين المتصدّون؟ أليست هذه القضيّة قضيّة تهمّ البلد؟!! أموال البلد أين ذهبت؟!! أنا كمواطن لماذا لا أستشعر بها؟ تأتيني أرقام مرعبة كلّها سرقة وأموال فساد لماذا؟ ألمْ يحِنْ حينٌ عندما نجلس وهؤلاء الشباب الآن قضوا أكثر من خمسين سنة بين معاناةٍ سابقة وحروبٍ طاحنة واقتصادٍ وحصار، ثمّ جاء القتل وجاءت الحروب وجاءت داعش، بالنتيجة ماذا؟

كلامٌ صريح أنا أتحدّث إخواني ولم أغلّفه بأيّ عبارات، أقول هذه الحالة ألا تستدعي -حقيقةً- تساؤلاً حقيقيّاً ووقفةً جادّة ممّن بيده الأمر؟ لماذا دائماً نحن عندنا معاناة؟ أين المشكلة؟ توجد مشكلة؟ نعم.. توجد مشكلة. طبعاً بعض المشاكل أنا أُبعد نفسي عن الدخول فيها، لكن واقعاً التساؤلات موجودة كثيراً وهذه التساؤلات نابعة من معاناةٍ حقيقيّة، الناس تقول نريد أن نرتاح، أنا دخلت الكلّية وأهلي أتعبوا أنفسهم الى أن تخرّجت، وأبي ينظر إليّ يوماً بعد يوم الى أن كبرت، أليس هذا حقٌّ مشروعٌ في كلّ دول العالم؟ نقول: نعم. يقول: لماذا أنا عندما أتخرّج أجد المعاناة ثمّ المعاناة ثمّ المعاناة، بحيث أفكّر أن أخرج خارج العراق أو أعمل عملاً آخر أو أعيش حالة الفراغ المدمّرة لي، لماذا؟.

أسمع بين فترةٍ وأخرى ستُعالج هذه المشكلة وعمليّاً المشكلة لا تُعالج إلّا أنفاراً جدّاً جدّاً معدودة، مشكلة شباب وأنتم تقولون اهتمّوا بالشباب، نأتي نحن الشباب نريد أن يحتضننا أحد لا يوجد أحد بل نُطرد ولا يهتمّون بنا!! عندنا أفكار عندنا رؤى لا أحد يسمعنا، نحن نعيش يوميّاً لا نملك الخمسة آلاف دينار، وهذا شابٌّ عنده رؤى عنده تطلّعات لا يملك هذا المال، وقضى أكثر من (18) سنة في الدراسة، والأب المسكين ينتظر والأمّ المسكينة تنتظر والإخوة الصغار ينتظرون، هذه أحلام طبيعيّة لكن لماذا هي مفقودة في البلد؟! حقيقةً أنا الآن أقف أمامكم وأنا لا أعرف أن أجيب ولا أستطيع أن أُجيب حقيقةً، صحيح هذا شابٌّ أتعب نفسه ثمّ أراد، نحن كشعبٍ أليس لنا -سابقاً- قصبُ السبق في أمورٍ كثيرة؟؟

سؤالٌ أخير ولعلّ الوقت لا يُسعفنا فهناك مجموعةُ تساؤلات، -لاحظوا- هويّة المحافظات، لاحظوا هذا السؤال ماذا تحسبه؟ سياسيّاً اقتصاديّاً إداريّاً؟ هويّة محافظاتنا، أليس كلّ محافظةٍ فيها هويّة؟ أين هويّة المحافظات؟ هناك محافظةٌ -لا أُسمّي حتّى لا تنصرف-، هناك محافظة طبيعتُها زراعيّة تُضيف الى البلد الجانب الزراعيّ وتصدّر الى المحافظات أو تعطي للمحافظات الجانب الزراعيّ، لماذا هذه الهويّة لم يُحافَظْ عليها؟ لماذا الجوانبُ الزراعيّة في البلد تبدّدت وانتهت وتفتّتت؟ هويّة المدينة انتهت، أليست هذه مدنٌ تهمّنا؟ لماذا هذه الهويّة ذهبت؟ هذا تساؤلٌ، يقول المزارع: أنا تعوّدت أن أزرع وتعوّدت أن أذهب الى البساتين، وقد ذهبت البساتين، أنا كمواطن أشعر أنّ هذه المدن توفّر لي السلّة الغذائيّة الكاملة، لماذا كلّما أردتُ أن أزرع وأهتمّ فجأةً فُتِحت الحدود وجاءت البضاعة من الخارج، فأنا زهدتُ في الأرض، مَنْ المسؤول عن هذا؟ كمواطنٍ يتكلّم يقول: أنا أحبّ أرضي، أتعبتُ نفسي حتّى أزرع، وحينما بدأت ثماري تنضج إذا بالسوق امتلأ ببضاعةٍ مستوردة، مع مَنْ أتكلم؟ قال: لا أدري.

الموسم القادم أنا سأعكف عن الزراعة، والعراق بلدٌ زراعيّ العراق أرضُ السواد في خيراته في مائه، لماذا تحوّل الى حالةٍ من التصحّر؟ من المسؤولُ عن ذلك؟ مواطنٌ يسأل ويحتاج من يجيب، طبعاً إخواني هناك عشرات التساؤلات قد أكرّ عليها لاحقاً، لكن هذه التساؤلات إنصافاً أراها تساؤلات مشروعة، متى ينتهي التعب؟ متى؟ معاناة متكرّرة ومتكرّرة، الإعلام مشوّش، الثقة مفقودة، الأخبار دائماً فيها أخبار مُتعِبة، لماذا؟ كم دولةٍ في العالم؟ فقط العراق؟ ودائماً هذا الضغط والضغط عليه، هل من مجيب؟! أعيد وأكرّر هل من مجيب؟!!

نسأل الله تعالى أن يهيّئ مَنْ يجيب ومن يحقّق بعض الأماني، وقلت هذه بعض التساؤلات ولعلّنا نكرّ على تساؤلاتٍ أخرى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا في هذا البلد كلّ خير وأن يجنّبنا كلّ سوء، وأن يجمع شملنا على الخير دائماً، وأن نراه دائماً بلداً معافى، ولا تنسونا في الدعاء في هذه الأيّام المباركة، نسأل الله تعالى قبول الأعمال لحجّاج بيت الله الحرام وأن يعودوا سالمين غانمين إن شاء الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (7 ذي الحجّة 1440هـ) الموافق لـ(9 آب 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)