ما هي حقيقة الصبر؟

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وقال على لسان لقمان الحكيم: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، وفي سورة الزمر قال تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

مع ما ورد من آيات تحث على الصبر وتُفَصّل في آثاره ونتائجه إلا إننا لا نفهم منه غير المعنى السلبي، فهو عندنا يعني ألّا نجزع ألا نولول ولا نصرخ بل نسكت.. هذا معنى الصبر عندنا.

والحقيقة أن هذا الفهم سلبي، بل الصبر هو ذاك الذي ينادي به القرآن ويجعله علاجا وغذاءً.. وهو يعتمد على اركان لابد من الالتفات اليها:

الركن الأول: الثقة بالله

فالصبر الذي لم يقترن بالثقة بالله تعالى وبالرضا لم يكن ممدوحا، فالبعض يصبر ولكنه غير واثق بما عند الله تعالى وغير راضٍ بما قسم له، إلا أنه ليس له حيلة إزاء ما يجري عليه.

إنما الصبر هو أن تثق بان ما اصابك خير لك، والاطمئنان بأن ما اصابني معوض ومدخر لي، هذا هو الصبر. وهذا يعني أنه لابد ان يكون مع الصبر عنصر ايماني ملكوتي، وهذا الذي تترجمه الآية المباركة (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

إذن ليس الصبر مجرد ألّا نجزع وفي داخلنا غير راضين، بل لابد ان نكون واثقين بأن ما اصابنا معوّض، لذا قال الامام الحسين عليه السلام في عاشوراء (هون ما نزل بي أنه بعين الله) فالذي يمنحني الصبر وطاقة من الايمان هو انني واثق بربي وان ما ذهب من دم وطاقة ونعمة لن يذهب هدرا أنا واثق بربي، لذا قال: (اللهم رضا بقضائك وتسليما لأمرك يا غياث المستغيثين).

الركن الثاني: تأجيل اللذة

نحن دائما متمحورين ومتقوقعين في اللذة الحسية من المأكل والملبس.. وغير ذلك، دائما نبحث عن اللذة الحسية، وأما اللذة الروحية ليست في قاموسنا ولا في مصطلحاتنا كلذة العبادة والدعاء والصلاة... بيد ان هذه اللذة هي التي يتنافس عليها الاولياء، وهي التي تأسر أكبر الأبطال مثل علي بن ابي طالب عليه السلام.

نحن نرى في واقعنا انسانا بطلاً مفتول العضلات ولكن بمجرد ان تعرض له شهوة تزول كل هذه البطولة والعضلات، بمجرد ان يتعرض الى اثارة جنسية او مادية يتهاوى امام تلك الاثارة الصغيرة، يتهاوى أمام لذة حقيرة!

أما أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي اقتلع باب خيبر بكف واحد:

يا قالع الباب الذي عن هزه عجزت أكف أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلا ولا حاشا لمثلك أن يُقال سميدع 

بل انت في يوم القيامة حاكم في العالمين وشافع ومشفع

فعلي ابن ابي طالب عليه السلام هذه الشخصية العظيمة لا تتهاوى بطولته أمام أي من الشهوات والملذات، بل تتهاوى بطولته البدنية كلها إذا وقف في محرابه بين يدي الله تعالى.

فهو القائل: "ركعة في دنياكم أحب اليّ من الجنة وما فيها"، وهذا يعني أن لذة العبادة هي التي يتنافس عليها الأولياء وتأسر قلوبهم.

إذن نحن متقوقعون في اللذات المادية نتقاتل ونبكي ونتحسر عليها، نفكر في المستقبل وخائفون مما ينتظرنا منه ولأولادنا، كل خوفنا على فوت اللذة المادية، فهل فكرنا عن فوت اللذة الروحية؟ لذة الصبر، العزيمة، الصمود.

ومن هنا يأتي دور الصبر الذي يعني تأجيل اللذة، استبدال اللذة المادية باللذة الروحية، وهذا معنى الصبر.

تقرير: السيد هيثم الحيدري