التبرج والسفور ووجوب الحجاب

قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}([1]).

الغض: هو إطباق الجفن على الجفن. والأبصار: جمع بصر وهو العضو الناظر.

فقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ* لما كان {يَغُضُّوا} مترتباً على قوله: {قُلْ} ترتب جواب الشرط عليه دلّ ذلك على كون القول بمعنى الأمر والمعنى مُرْهُم {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والتقدير: مُرْهُمْ بالغض، إنك إن تأمرهم به (يَغُضُّوا).

ما الحكمة؟

والآية أمر بغض الأبصار ومفادهُ النهي عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من الأجنبي والأجنبية {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} أي ومرهم {يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.

والمقابلة بين قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} و{يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} يعطي أن المراد بحفظ الفروج سترها من النظر فضلاً عن الزنا واللواط والعياذ بالله.

ثم أشار إلى وجه المصلحة في الحكم وحثّهم على المراقبة في جنبه بقوله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة وإطلاق البصر والفرج من أسباب النقمة والعذاب في الدنيا والآخرة.

وقدْ دلّت الأحاديث الشريفة أن المراد من الأمر بالغض في الآية المباركة النهي عن مطلق النظر إلى الأجنبية. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "النظر إلى محاسن النساء سهم من سهام إبليس، فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسرُهُ" ([2]).

ثم توجه الخطاب الإلهي إلى المؤمنات يأمرهن بغض البصر وحفظ الفرج.

قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} .

فلا يجوز لهن النظر إلى مالا يجوز النظر إليه ويجب عليهن ستر العورة عن الأجنبي والأجنبية فأمر المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج -كما أمر المؤمنين بذلك - صيانة لهم من أسباب الفتنة وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة.

أفعمياوان أنتما؟

ورد في جوامع الجامع عن أم سلمة قالت: كنت عند النبي عن النبي صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ فقال أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟([3]).

والأمر الإلهي في هاتين الآيتين الكريمتين للمؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج واضح جلي وما ذاك إلا لعظم ما يترتب على عدم حفظهما من الفساد الكبير بين المسلمين.

فإطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة والهداية. كما أن حفظ الفرج واجب، ومن أبرز مظاهر العفة والالتزام بأوامر الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه جلّ وعلا.

وعدم الالتزام بذلك من مظاهر سقوط الشخصية وازدياد الفحشاء بين المسلمين وهذا الانحدار والسقوط الخلقي من أظهر أسباب سقوط المجتمع وانحراف الشخصية الإسلامية.

فعلى العبد أن يحذر ربه وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه.

ثم انتقلت الآية المباركة إلى ذكر حكم آخر وهو حرمة إبداء الزينة.

قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} .

فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهن المخفية وإن كانت لا تُظهر أجسامهن فلا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزينّ به تحت اللباس العادي أو العباءة بنص القرآن الكريم، الذي نهاهن عن ذلك وقد فُسّرت الزينة في بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) بالقلادة والدملج (وهو نوع من الحلي يوضع على الساعد)، والخلخال ونحوها من أنواع الزينة التي اعتادت النساء التزين بها([4]).

وقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} .

الخُمُرْ ـ بضمتين ـ: جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها. والجيوب: جمع جيب بالفتح فالسكون والمراد به الصدور.

والمعنى: وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن ليسترنها بها.

ثم يذكر الكتاب الكريم حكماً آخر زيادة للعفة والحجاب، يقول تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}  أي على النساء أن يتحفظن كثيراً، ويحفظن عفّتهن، ويبتعدن عن كل شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرجال حتى لا يتهمن بالانحراف عن طريق العفة. ويجب أن يراقبن تصرفهن بشدة بحيث لا يصل صوت خلخالهن وما أشبه ذلك إلى آذان غير المحارم، وهذا كله يؤكّد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأمور المهمة.

فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي النساء وامنعوهنّ مما حرم الله عليهنّ من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بالنساء الكافرات، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله تعالى وعموم عقابه.

وانتهت الآية الكريمة بدعوة جميع المؤمنين رجالاً ونساء إلى التوبة والعودة إلى الله تعالى ليفلحوا {وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وتوبوا أيها الناس مما ارتكبتم من ذنوب في هذا المجال بعدما اطلعتم على حقائق الأحكام الإسلامية.

 

([1]) سورة النور: آية 30 - 31.

([2]) مستدرك الوسائل: ج2، ص 544.

([3]) بحار الأنوار: ج101، ص37.

([4]) مستدرك الوسائل: ج14، ص6 باب ما يحل النظر اليه من المرأة بغير تلذذ وما لا يجب عليها ستره.

 

*مقطتف من كتاب "التبرّج والسفور وانعكاسهما على الفرد والمجتمع" صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة