الاسلامُ ورعاية المسنّين

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

كتب مؤيد إبراهيم:

 أولى الإسلام المسنين اهتماما كبيرا، وحث على رعايتهم وتحمل مؤونتهم وكفالتهم، وذلك لكبر سنهم وضعفهم وعجزهم عن مزاولة العمل، وقد اوكلت مهمة رعاية المسنين الى الأسر التي ينتمون اليها والى ابناء المجتمع، فضلا عن الدور الذي ينبغي أن يقوم به ولاة الأمر تجاه المستضعفين والعاجزين من الرعية. 

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 وقد أوجبت الشريعة الاسلامية على الابناء حق رعاية آبائهم والانفاق عليهم عند عدم القدرة على العمل في الكبر، وذكر ان الرسول (ص) عدّ من يقوم برعاية والديه في الشيخوخة، والانفاق عليهم كالمجاهد في سبيل الله تعالى، وذلك حينما مر اعرابي على الرسول (ص) وأصحابه، ورأوا ما يتمتع به ذلك الاعرابي من القوة والنشاط، فتمنوا ان يسخر قوته ونشاطه في الجهاد في سبيل الله، فقال لهم الرسول (ص): ((ان كان خرج يسعى على ابوين كبيرين فهو في سبيل الله)).

 وجاء في رواية اخرى ان الرسول (ص)، أكد على أن كفالة الوالدين المسنين بمثابة الجهاد في سبيل الله، حيث ذكر أن الرسول (ص) منع أحد المسلمين من المشاركة في القتال في إحدى المعارك، وذلك بعد أن علم (ص) انه الابن الوحيد لامرأة طاعنة في السن، وهو الذي يتعهدها ويقضي حوائجها، وذكر في رواية اخرى جاءت بالمعنى نفسه أن رجلا جاء الى الرسول (ص) طالبا المشاركة في الجهاد، فسأله الرسول (ص): ((ألك ابوان؟))، فأجاب بـ ((نعم))، فقال الرسول (ص): ((ففيهما جاهد)).  

 وقد أصبحت رعاية المسنين وكفالتهم امراً واجباً على كافة ابناء المجتمع، وحينما رأى الرسول (ص) شيخا يشكو العوز والحاجة حتى الوصف بأنه: ((لا يكاد يتمالك ضعفا وكبرا)) بعث الرسول (ص) به الى ابنته الزهراء (ع) فأعطته عقدا كان قد أهدته إليها ابنة عمها، وقالت الزهراء (ع) لذلك الرجل المسن: ((خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك بما هو خير لك منه)).

 وعرف عن الامام علي بن ابي طالب (ع) أنه كان يرعى المسنين بنفسه، فكان اذا لقى شيخا مسنا كهلا، حمل عنه حاجته، وحكي انه كان شديد الشفقة على المسنين، فكان له موقف مع شيوخ اهل الذمة، بأن جعل أمر الانفاق عليهم من بيت المال، بعد ان رأى شيخا كبيرا يطرق الابواب ويسال الحاجة، فقال (ع): (استعملتموه حتى اذا كبر تركتموه)، وهذا يشير الى تأكيد استمرار الدولة في كفالة المعوزين المسنين، ليس هذا فحسب بل ان الامام علي بن ابي طالب (ع) كان قد ضمّن وصاياه لولاته، الحث على رعاية المسنين واعالتهم؛ إذ ورد ذلك في نص وصيته لابن الاشتر، اذ يقول: ((وتعهد اهل اليتيم واهل الرقة في السن – أي كبار السن - ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه)).

وهذا ما يدل على ان الدولة الاسلامية شجعت الابناء وذوي الرحم على اعالة ذويهم من كبار السن، وكان ذلك التشجيع يكمن في حث الابناء على رعاية الآباء والانفاق عليهم، وايضاح مدى فضل ذلك من جهة، وفسح المجال أمام الابناء للتفرغ لخدمة ابائهم المسنين، حيث تم إعفاؤهم من الجهاد والذي هو واجب مقدس من جهة اخرى، فكان من سعى لخدمة والديه كالساعي في سبيل الله، وبذلك ضمنت الدولة كفالة المسنين ورعايتهم.