الأئمة (ع) يعترفون بذنوبهم؟! وهل يذنب المعصوم ليطلب المغفرة؟!!

من المسائل التي قد ثبتت عندنا بالأدلة القطعية - عقلا ونقلا - مسألة عصمة أهل البيت (ع)، وأما الذي نجده في الأدعية المأثورة عنهم (ع) من طلب المغفرة والاعتراف بالذنب فيُلحظ من جهتين:

الجهة الأولى: الشعور بالقصور على قدر المعرفة

إن العبد كلما ازداد معرفة بالله تعالى وبعظمته ازداد شعوره بالتقصير اتجاهه لانكشاف الحقائق لديه ورؤية ملكوت الأشياء الذي يتجلى به عظمة الله تعالى ومنه على خلقه.

ومع ازدياد المعرفة مهما جدَّ العبد وعظمت عبادته يرى نفسه في دائرة القصور أمام عظمة الله جل وعلا، ويرى أنه مهما بلغت عبادته فنعم الله أكثر منها عليه بما لا يُقاس، بل يرى أنه عاجز عن شكر نعمه كما ورد في مناجاة الشاكرين: (إِلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصاءِ ثَنائِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوائِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عَوارِفِكَ تَوالِي أيادِيكَ، وَهذا مَقامُ مَنْ اعْتَرَفَ بَسِبُوغِ النَّعْماءِ وَقابَلَها بالتَّقْصِيرِ.... فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلى شُكْرٍ؟! فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الحَمْدُ وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الحَمْدُ)

وفي هذا المضمار أيضا قال أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين: (لا يَرْضَوْنَ مِنْ أعْمالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لِأنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ..)([1]).

فأهل البيت (ع) يشعرون بالتقصير اتجاه الله سبحانه على قدر معرفتهم به، وهذا الشعور مصاحب لهم على الدوام مِما يجعلهم يستغفرون الله (عز وجل) ويطلبون منه العفو والغفران.

الجهة الثانية: تعليم الناس أدب الخطاب مع الله (عز وجل) في الدعاء

لا يخفى أن الداعي يخاطب - في دعائه - المنعمَ الذي منه كل نعمة، والربَ المتوحد في ربوبيته، فلابد أن يكون الداعي عارفا به، كي يُتقن فنون التضرع له ولا يسيء الأدب في حضرته، وبما أن أهل البيت (عليهم السلام) هم أعرف الخلق بالله تعالى فقد أخذوا على عاتقهم تعليم العباد أدب الدعاء والمناجاة وفنون التضرع والاستغفار.. ومن هنا تتجلى صورتان:

الصورة الأولى: لا تنافي في جمع الجهتين اللتين ذكرناهما في آنٍ واحد، إذ يصح القول بأن الامام في حين يشعر بالتقصير على قدر معرفته الملاحظة في قوله: (هذا مَقامُ مَنْ اعْتَرَفَ بَسِبُوغِ النَّعْماءِ وَقابَلَها بالتَّقْصِيرِ)، وفي الحين نفسه يربي الناس على فنون الدعاء.

وبعبارة أخرى: يأخذ الامام دور العبد الذليل بين يدي ربه، ودور المعلم لمن حوله فنون الدعاء لأهميته لأنه مخ العبادة كما ورد.

الصورة الثانية: أهمية الدعاء:

إن الدعاء يمثل الغذاء الروحي في حياة الفرد المؤمن، وهو الحصن الحصين له والدافع لمكاره الدنيا والاخرة، وهو سلاح الأنبياء، لذا اهتم أهل البيت عليهم السلام به أشد الاهتمام قولا وفعلا، بل صدروا من خلاله المعارف الجمة.

ومن أهم مضامين الدعاء هو اللجوء إلى الباري (عز وجل) في كل حال وحين، ولذته لا يستطيع وصفها إلا من تذوقها، وكل مؤمن يتذوقها بحسب درجة معرفته وإيمانه، فالعبد يكون في أوقات دعائه متصلا بمطلق الجمال والجلال والحنان والرأفة والجود والعطاء.

 

[1] نهج البلاغة: خطبة المتقين.