خدم البشرية: هل سيدخل «مخترع الكهرباء» الجنة؟!

قبل شرح منطق الإسلام في هذا الموضوع، من الضروري الإشارة إلى بعض الآراء التي تبدى في هذا المجال:

1- يتصور البعض أن كل عمل صالح يخدم المجتمع تكون له قيمة عند الله تعالى، ولا فرق في هذا الصدد بين الموحد وغير الموحد والمسلم وغير المسلم، ولا يمكن أن يفرق الله العادل بين عباده في ذلك.

أولئك يقولون: ما هو تأثير الايمان بالله والاعتقاد بنبوة خاتم الانبياء والمبعوثين منه على العمل، فالعمل الصالح سينفع المجتمع على كل حال، سواء كان مكتشفه موحد أم مشرك، مسلم أم كافر.

2- وفي مقابل هذه الجماعة، هناك جماعة أخرى لا تعير أي اهتمام لهذه الأعمال الإنسانية حتى لو كانت مقرونة بحسن النية، فيتجاهلون جميع ذلك، ويعتبرون تلك الأعمال فاقدة لأي اعتبار لافتقار أصحابها الى العقائد الصحيحة.

لكن كلا هذين الرأيين المتقابلين غير صائبين، وثمة رأي ثالث يبدو أنه منطقي وهو أن كل عمل صالح يتسم بسمتين هما:

1-  الطابع الشخصي والمصلحي الذي يرجع إلى الإنسان نفسه.

2-  الطابع الاجتماعي الذي تعم فائدته البشر جميعاً، وينتفع منه كافة الأفراد.

كلما كان هدف المخترعين من الجهود العظيمة التي يبذلونها بغية كشف الحقائق واختراع ما هو جديد الحصول على شهرة مطبقة في المجتمعات الانسانية، أو الانتفاع من العوائد المادية لتلك الاختراعات، فقد حصلوا في هذه الحالة على مكافآتهم وبلغوا مناهم وأهدافهم المنشودة، ولا يبقى معنى حينئذ لأن يطلبوا من الله الثواب يوم القيامة؛ لأنهم - حسب الفرض – لم يأخذوا الله والمجتمع البشري بنظر الاعتبار في تقديم الخدمة لهم، ولم يفكروا في ذلك قط، بل لم يكن الباعث والمحفز لهم نحو ذلك سوى الشهرة والأرباح المادية، والفرض يقول: إنهم نالوا ما كانوا يطمحون إليه.

لكن حينما يكون الدافع لهم نحو البحوث العلمية والخدمات الاجتماعية القيام بعمل ما من أجل توفير الرفاهية والرخاء لعباد الله تعالى، وحل مشاكل الحياة لمختلف الطبقات، وتخفيف أعباء المجتمع الإنساني، فمن المسلم أن لهم أجراً وثواباً عند الباري جل وعلا، ومقتضى العدل الالهي هو الحصول على الثواب مقابل أعمالهم.

نقرأ في الأحاديث الإسلامية أن حاتم الطائي يؤجر يوم القيامة على الرغم من كونه مشركاً ولم يؤمن بأي من الأديان السماوية، وإنما كان ملاذاً للفقراء والمساكين بإكرامه إياهم وحل مشاكلهم 1.

وهناك طرق واضحة لمعرفة نوايا المخترعين من اختراعاتهم، وهل كان الدافع من قيامهم بهذه الأعمال دافعاً إنسانياً أم مادياً وشخصياً.

فالعالم الذي يُمنح أموالاً في مصانع القنابل والأسلحة الميكروبية المدمرة أكثر منها في مصانع الأدوية والعقاقير ليُستفاد من خبرته، ويرجح الأولى على الثانية، لا يستحق أجراً وثواباً إلهياً على مكتشفاته العلمية ؛ لأن نيته لا تحمل طابعاً إلهياً وإنسانياً، أما من يغض الطرف عن المنافع المادية من أجل الأوجه الانسانية فيستحق الأجر والثواب، وهو جدير بذلك قطعاً.

الهوامش:

1. سفينة البحار، ج 1، ص 607.

المقال رداً على سؤال: نظراً الى أن عدد من العلماء مثل "أديسون" مخترع الكهرباء، و "غاليلو" مخترع التلسكوب (المرصد) ومكتشف أمور مهمة في الهيئة، و "غوتنبرك" مخترع الطباعة وغيرهم، قد خطوا خطوات مؤثرة في طريق راحة وخدمة البشر ؛ فهل يؤجر أولئك يوم القيامة إزاء ما قدموا من خدمات، أو ستكون كافة أعمالهم هباءً منثوراً نتيجة عدم إسلامهم ورفضهم آخر الشرائع السماوية؟