خلو القرآن من أسماء الأئمة: كيف أجابوا (عليهم السلام)؟

 بعد الانتهاء من المقدمة الموجزة التي قدمنا من خلالها العلاقة بين القرآن والسنة القطعية، في المقالة السابقة، هل يصح التفريق بين القرآن والسُنة؟ نصرف عنان الكلام إلى أجوبة ذاك الاعتراض الموجه لشيعة أهل البيت، عليه السلام، المعتقدين بولايتهم وامامتهم، وقد تنوّعت الإجابات التي قدمها علماء الإمامية قديماً وحديثاً على الاعتراض السالف في خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة عليهم السلام، ويمكننا حصرها في نوعين رئيسين:

الأول: يعتبر الاعتراض غير وارد من أصله لورود اسم بعض الأئمة في القرآن وبالتحديد اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويقدّم المتبنون لهذه الإجابة شواهد عديدة تثبت صحة إجابتهم كما يرون، نكتفي بعرض اثنين من تلكم الشواهد:

أ- {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}([1])، جاء هذا استجابة لدعاء إبراهيم (عليه السلام) الذي حكاه القرآن بقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}([2]).

 ورد في مقدمة [كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر] بعد أن قرر الاستدلال بهذه الآية ما نصه:

... فيكون حاصل معنى الآية: أي ووهبنا لهم أي أعطينا لأجلهم وكرامتهم من فضلنا علياً لساناً صادقاً، وجعلنا أي صيرنا لأجلهم علياً صادقاً، وإذا ثبت أنّ الآية نص على علي بن أبي طالب بهذا التأويل فنقول: علي بن أبي طالب يدعي الإمامة بعد رسول الله بلا فصل، وهو صادق في كل ما يقول...([3]).

ب- الحروف المقطعة الواقعة في مفتتح سور القرآن الكريم، فإنّها لو جمعت وحذف منها المكرر صارت (صراط علي حق نمسكه).

قال الفيض الكاشاني: من الأسرار الغريبة في هذه المقطعات أنها تصير بعد التركيب وحذف المكررات (علي صراط حق نمسكه أو صراط علي حق نمسكه) ([4]).

النوع الثاني من الإجابات: مبني على الإقرار بعدم ورود أسماء الأئمة (عليهم السلام) في القرآن إلا إنها تسجل تحفظاتها على منطلقات الاعتراض وتعتبره متضمناً لفهم مغلوط لموقع السنة النبوية وتفكيك غير مبرر بين القرآن الكريم والسنة القطعية، وقد مر علينا أنهما صنوان، هذا هو النوع الثاني الذي تشترك فيه جميع الإجابات التالية:

الإجابة الأولى: جواب الأئمة (عليهم السلام) وهو إمام الأجوبة.

ليس مستغرباً على أهل البيت أن يكونوا أولَ من يتصدى للإجابة على هذا الإيراد وهم َمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفَ المَلائِكَةِ، وَمَهْبِطَ الوَحْيِ، وَخُزَّانَ العِلْمِ.

فقد تعرّض أصحاب الأئمة لهذا التساؤل من قبِل المخالفين لهم في العقيدة وقاموا بنقله لأهل البيت (عليهم السلام)، والأئمة بدورهم أجابوهم بإجابة كافية ووافية وصحيحة أبي بصير في الكافي أنموذج لذلك: فعن أبي بصير قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام): فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسمِّ علياً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عز وجل؟ قال: فقال: قولوا لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمِّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمِّ لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم - ونزلت في علي والحسن والحسين - فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): في علي: من كنت مولاه، فعلي مولاه، وقال (صلى الله عليه وآله) أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك وقال: لا تعلموهم فهم أعلم منكم، وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يبين من أهل بيته، لادعاها آل فلان وآل فلان، لكن الله عز وجل أنزله في كتابة تصديقاً لنبيه (صلى الله عليه وآله) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فكان علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)، فأدخلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أم سلمة، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ فقال: إنك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإقامته للناس وأخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحداً من ولده إذاً لقال الحسن والحسين: إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلغ فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما بلغ فيك وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي (عليه السلام) كان الحسن (عليه السلام) أولى بها لكبره...([5]).

يتبع...

من كتاب: خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة.. معالجة جذرية لمشكلة متجددة – صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
---------------------------
([1]) سورة مريم: 50.
([2]) سورة الشعراء: 84.
([3]) مقدمة كفاية الأثر: ص 37. تنبيه: لم يرجح محقق الكتاب نسبة المقدمة التي ورد فيها هذا النص إلى الخزّاز القمي.
([4]) تفسير الصافي: ج1، ص 69.
 
([5]) الكافي: 1 / 424 / باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الائمة (عليهم السلام) واحداً فواحداً/ الحديث رقم 1 من الباب.