خلو القرآن من أسماء الأئمة.. هل كل ما يعتقد به المسلمون من القرآن فقط؟

إنّ الاعتراض على عقيدة الشيعة في إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وعدم ورود أسمائهم الصريحة في القرآن الكريم، لو تمّ فإنه يطّرد ويجرى في سائر العقائد فيقال: لماذا لم تُذكر سائر العقائد في القرآن الكريم، كقدم كلام الله وأسماء الأنبياء وعددهم وخلافة أبي بكر وصحبته للنبي (صلى الله عليه وآله) في الغار وخلافة عمر عند المخالفين للشيعة في العقيدة، سيما مع ذهاب طائفة كبيرة عمن علماء العامة إلى تكفير منكر خلافة الشيخين.

وقد نص الألباني على إن جملة كبيرة من عقائد المسلمين لم يصرح بها في القرآن الكريم حيث يقول:

"فأن قيل: فلماذا لم يجعل الله عز وجل جميع حجج الحق مكشوفة قاهرة لا تشتبه على أحد، فلا يبقى إلا مطيع يعلم هو وغيره أنه مطيع، وإلا عاص يعلم هو وغيره أنه عاص، ولا يتأتى له إنكار ولا اعتذار؟

قلت: لو كان كذلك لكان الناس مجبورين على اعتقاد الحق، فلا يستحقون عليه حمداً ولا كمالاً ولا ثواباً، و لكانوا مكرهين على الاعتراف كمن كان في مكان مظلم فزعم إن ذاك ليل وراهن على ذلك ففتحت الأبواب، فاذا الشمس في كبد السماء، و لكانوا قريباً من المكرهين على الطاعة من عمل وكف، لفوات كثير من الشبهات التي يتعلل بها من يضعف حبه للحق فيغالط بها الناس ونفسه أيضاً".

وقد علق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة على هذا الموضوع بما لفظه:

"يريد الشيخ بالسؤال والجواب أن بين حكمة الله تعالى في ابتلاء الناس بالهوى والشبهات والشهوات ليحصل الجهاد والابتلاء ويحمد المجاهد ويؤجر، وإلا فوضوح الحق والباطل أمر لا خفاء به، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة".

وعلّق أيضاً على كلام آخر ما لفظه: "الحق ان حجج الله تعالى التي سماها بينات هي مكشوفة واضحة لا خفاء بها وإنما تخفى على من في قلبه كن وفي أذنيه وقر وعلى بصره غشاوة من هواه وأخلاقه وما اعتاد".

وقال الألباني: لا أراه يخفى أن مرادي بالقضية المكشوفة القاهرة هو أن تكون بحيث لا تخفى هي ولا إفادتها اليقين على عاقل، حتى لو زعم زاعم إنه يجهلها، أو إنه يعتقد عدم دلالتها أو يرتاب فيها لقطع العقلاء بأنه إما مجنون الجنون المنافي للتكليف أو كاذب. ولا يخفى أنه ليس جميع الحجج الحق هكذا، ولكنها بينات البيان الذي تحصل به الهداية وتقوم به الحجة، ثم هي على ضربين، الضرب الأول الحجج التي توصل الإنسان إلى أن يتبين له أنه يجب عليه أن يكون مسلماً، الثاني ما بعد ذلك، فالأول حجج واضحة لكن من اتبع هوى قد يصد عن الحق، أو قصر في القيام بما قد بان أن عليه أن يقوم فقد يرتاب أو يجهل، والضرب الثاني على درجات، منه ما في معنى الأول فيكفر المخطئ فيه، ومنه ما لا يكفر ولكنه يؤاخذ، ومنه ما يعذر، ومنه ما يؤجر أيضاً على اجتهاده([1]).

وهنا نقول: كلام الشيخين (الألباني ومحمد عبد الرزاق) واضح في مجيء جملة من العقائد بأدلة تحتاج إلى بحث ونظر وحياد وأن يجعل الإنسان هدفه من البحث فيها تحصيل الحق وإن خالف قومه وهواه.

وإليك شواهد ما أوجزناه في صدر الإجابة الثانية:

أـ (شواهد من كلام الألباني على عقائد لم تذكر في القرآن).

فقد ذكر الألباني في كتاب منتهى الأماني وهو يرد على القرآنيين طائفة كبيرة من العقائد المأخوذة من السنة ودون القرآن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 1ـ نبوة آدم وغيره من الأنبياء.

 2ـ أفضلية النبي (صلى الله عليه وآله) على غيره.

 3ـ شفاعته (صلى الله عليه وآله) العظمى في المحشر.

 4ـ شفاعته (صلى الله عليه وآله) لأهل الكبائر من أمته.

5ـ معجزاته (صلى الله عليه وآله) كلها ما عدا القرآن.

 5ـ صفاته (صلى الله عليه وآله)... الخ "، وهكذا راح الألباني يعدد العقائد الإسلامية المستسقاة من الأحاديث فحسب([2]).

ب ـ أما عن كفر منكر خلافة الشيخين:

1- ابن حجر الهيتمي المكي حيث قال: (فمذهب أبي حنيفة إن من أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر..)([3]).

2ـ الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح قال: (وإن أنكر خلافة الصديق كفر كمن أنكر الإسراء لا المعراج والحق في الفتح عمر بالصديق في هذا الحكم والحق في البرهان عثمان بهما أيضاً..)([4]).

3- وفي الفتاوى الهندية: (من أنكر امامة أبي بكر الصديق فهو كافر)([5]).

بعد هذا النزر اليسير مما تناثر في صحفهم لنا سؤال نضعه برسم كل منصف:

اين امامة أبي بكر باسمه في القرآن ليكفر المسلمون غير المعتقدين بها؟!

فإن قيل: انها ليست من أصول الدين لتذكر في القرآن.

قلنا: فلِمَ التكفير على إنكارها اذن؟

في الوقت الذي يحكم الشيعة بإسلام مخالفيهم مع قيام ما لا يحصى من الأدلة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم امتلاك خصومهم إثارة من علم على خلافة الثلاثة! {تِلْكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى}([6]).

يتلخص من جميع ما مر في هذا الجواب عن الاعتراض بما يلي:

 ثمة عقائد - أصولاً وفروعاً - معلومة من الدين بالضرورة دليلها من خارج القرآن، وقد مر عليك أمثلة منها.

يتبع...

من كتاب: "خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة.. معالجة جذرية لمشكلة متجددة" – صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
-----------------------------
[1] القائد في تصحيح العقائد: ص 14 – 16.
([2]) منتهى الأماني بفوائد مصطلح الحديث، للمحدث الألباني: ص 106.
([3]) الصواعق المحرقة: 138.
([4]) الحاشية على مراقي الفلاح: 204.
([5]) الفتاوى الهندية: 2 / 264.
([6]) سورة النجم : 22.