خلو القرآن من أسماء الأئمة.. هل يصح التفريق بين القرآن والسُنة؟

الإشكال الأساس في هذا البحث يجيب عن السؤال التالي: (لماذا لم يذكر الأئمة في القرآن بأسمائهم؟)، لكن إننا نرى من اللازم قبل سرد أجوبته ومعالجاته في هذا البحث أن نعرض لمقدمة تؤسس لأصل ومنهج من شأنه الكشف عن أهم ركيزة مغلوطة بُني الإشكال عليها، حيث يفترض الاعتراض وجود فرق من جهة الحجية بين النصوص الوحيانية -القرآن والسنة القطعية- فهل يصح التفريق بين القرآن والسنة القطعية؟!

هذا ما تعنى بالإجابة عنه هذه المقدمة المختصرة، على أنا سنقتصر في المقدمة على ما يرتضيه المعترض المخالف للشيعي في العقيدة والمنهج.

فبعد إلقاء نظرة سريعة على آيات القرآن الكريم، والسنة الصحيحة وما نقله مخالفو الشيعة عن صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا ما سطره العلماء في مدوناتهم، سنصل إلى نتيجة حتمية مفادها: لا وجود لأيّ فرق من جهة المعنى والحجية بينهما فالكل وحي من الله تعالى.

أما القرآن الكريم فينادي بأعلى صوته باعتبار آياته متناً والسنة مفسرة ومبينة له، جاء ذلك في آيات عديدة منها قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يؤْمِنُونَ}([1])، وقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يتفَكَّرُونَ}([2]).

ذلك إن ما فسره النبي (صلى الله عليه وآله) وبينه يجب الأخذ به على قاعدة: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهَاكُمْ عَنْهُ فَانتهُوا}([3])، وقد أوضح القرآن أيضاً السر في ذلك قائلاً: {مَا ينْطِقُ عَنِ الْهَوَى}([4])، ومن هنا صارت طاعته (صلى الله عليه وآله) عين طاعة الله ومعصيته عين معصية الله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ توَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}([5])، و{وَمَنْ يعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}([6]).

القرآن ومثله

ولا خيار للمكلف أمام السنة سوى التسليم والانقياد {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}([7])، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بينهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}([8]).

وهذا ما تطابقت معه السنة حذو القذة بالقذة ففي الحديث الصحيح عنه (صلى الله عليه وآله): "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه.."([9]).

والحديث صحيح وصريح في اعتبار السنة مثل القرآن، وقد تعامل بعض الصحابة مع السنة على هذا الأساس أيضاً يهديك لذلك حديث ابن مسعود في البخاري مع أم يعقوب من بني أسد ففيه دلالة بل نص على أن السنة وحي بل قرآن، وسيأتي كاملاً في الأجوبة فلاحظ ثمة، وهكذا كانت كلمات علماء كبار علماء المخالفين قديماً وحديثاً:

فمن القدماء البربهاري المتوفى سنة (329ه) ه، إذ يعتبر الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام قائلاً: "اعلموا أن الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر"([10]).

ويقول أيضاً: وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده، ويريد القرآن، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده.([11])

ومن المعاصرين ناصر الدين الألباني في كتابه "منتهى الاماني" فقد أطلق عدة تصاريح في هذا الشأن نضعها كعناوين كما يلي:

- "قال بعض السلف: السنة تقضي على الكتاب" ([12]).

- وفي السياق ذاته وضع عنوانا أيضاً (ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة) ([13]).

- وقال أيضاً: "فحذار أيها المسلم! أن تحاول فهم القرآن مستقلاً عن السنة؛ فإنك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك". ([14]).

إلى هنا نكون قد انتهينا من المقدمة التأسيسية لنشرع بعرض الإجابات، وللحديث بقية...

يتبع...

من كتاب: "خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة.. معالجة جذرية لمشكلة متجددة" – صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
----------------
([1]) سورة النحل: 64.
([2]) سورة النحل: 44.
([3]) سورة الحشر: 7.
([4]) سورة النجم: 3.
([5]) سورة النساء: 80.
([6]) سورة الأحزاب: 36.
([7]) سورة الأحزاب: 36.
([8]) سورة النساء: 65.
([9]) مسند أحمد: ح 17213، وعلق عليه الأرناؤوط 4 \ 130 : إسناده صحيح.
([10]) كتاب شرح السنة، للبربهاري: 35.
([11]) شرح السنة: 119، برقم: برقم: 135.
([12]) منزلة السنة في الإسلام: ص 12.
([13]) نفس المصدر السابق.
([14]) صفة صلاة النبي: ج3، ص 938.