إبراهيم (ع).. كيف يتحول النبي إلى إمام؟!

إن إحدى أهم الآيات التي تناولت الإمامة كمنصب إلهي ومقام رباني وبلفظ الإمامة ومعناها هي قوله تعالى: {وَإِذِ ابتلَى إِبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا ينَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([1])، وبالرغم من وضوح دلالة هذا النص القرآني على المطلوب إلا إننا نلفت النظر إلى ما يلي مما له دور مهم في توضيح الاستدلال:

أولاً: إن "جاعلك" في الآية اسم فاعل عامل في "إماماً"، ومعلوم أن اسم الفاعل لا يعمل، إلا إذا كان للحال أو الاستقبال، وهذا الجعل قد حصل بعد الابتلاء وإتمام الكلمات لا قبله، وإلا فيكون الابتلاء زائداً لا معنى له.

إذاً، فثمة منصب آخر أُعطي لإبراهيم (عليه السلام) بعد منصب النبوة والرسالة مغاير لهما وهو منصب (الإمامة)، كما سمّته الآية صريحاً.

ثانياً: إن هذا الخطاب من الله عز وجل لإبراهيم (عليه السلام) بنفسه يدل على أن إبراهيم كان نبياً، وإلا كيف خاطبه وكلّمه وأوحى إليه، خصوصاً إذا التفتنا إلى أن أسلوب الخطاب لا يشعر لا من قريب ولا من بعيد أنه خطاب ابتدائي.

فالخطاب الابتدائي كقوله تعالى مخاطبا موسى مثلا: {فلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}([2]).

أو حينما خاطب نبينا (صلى الله عليه وآله): {اقرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}([3]).

فدل ذلك على أن إبراهيم (عليه السلام) كان نبياً قبل الخطاب بالآية مورد البحث.

ثالثاً: إبراهيم (عليه السلام) أعطي النبوة وهو فتى، ولهذا قال تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فتًى يَذْكُرُهُمْ يقَالُ لَهُ إِبرَاهِيمُ}([4]).

والآية التي نصت على إمامته جاءت بعد الابتلاءات التي ابتلي بها وأتمها ونجح فيها. والتي أيضاً كان منها ذبح ابنه إسماعيل (عليهما السلام) الذي عبر عنه تعالى بقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}([5]).

وكوضعه في النار وغيرها.

رابعاً: إن إبراهيم (صلوات الله عليه) طلب هذا المنصب لذريته "قال ومن ذريتي"، الأمر الذي يدل على أنه كانت له ذرية، وإلا كيف يطلب لهم الإمامة وهم غير موجودين؟!! فإن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، أو كما يقال: ثبت العرش ثم انقش. وهو قد أعطي الذرية بعد أن كبر وأصبح شيخاً، ولهذا قالت زوجته: {قَالَتْ يَا وَيلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}([6]).

 فجعله نبياً وهو نبي تحصيل للحاصل، وهو محال.

فإذاً، منصب الإمامة يغاير منصب النبوة تماماً، وليس المراد من الإمامة في الآية النبوة كما هو واضح لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد، وإلا كان من تحصيل الحاصل، فإن مدلول الآية حينئذٍ جعل إبراهيم النبي قبل الخطاب نبياً!

قال العلامة الطباطبائي:

قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماماً}، يدل على أن هذه الإمامة الموهوبة إنما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات، وليست هذه إلا أنواع البلاء التي ابتلي (عليه السلام) بها في حياته، وقد نص القرآن على أن من أوضحها بلاء قضية ذبح إسماعيل، قال تعالى: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك" إلى أن قال: إن هذا لهو البلاء المبين} ([7]).([8])

والقضية إنما وقعت في كبر إبراهيم، كما حكى الله تعالى عنه من قوله: "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل، وإسحاق، إن ربي لسميع الدعاء"([9]).

فإن قيل: إن إمامة ابراهيم (عليه السلام) مسبوقة بالنبوة والرسالة وهما غير متوفرين في أئمة أهل البيت (عليهم السلام)!

قلنا: لا يقدح هذا في الاستدلال بعد أن أثبتت الآية منصباً مغايراً للنبوة والرسالة ولم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى اشتراط سبق النبوة على الإمامة في شخص الإمام، على إنّ في قصة طالوت يكفي للجواب، فإنه إمام بعثه الله تعالى واصطفاه وزاده بسطة في العلم والجسم ولم يكن نبياً، يقول تعالى في هذا الشأن:

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَينَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

 

([1]) سورة البقرة: 124.

([2]) سورة القصص: 30.

([3]) سورة العلق: 1.

([4]) سورة الأنبياء: 60.

([5]) سورة الصافات: 106.

([6]) سورة هود: 72.

([7]) سورة الصافات: 106.

([8]) تفسير الميزان: ج1، ص248

([9]) سورة إبراهيم: 41.