هل يفقد العقل قدرته على القيام بوظيفته؟!

نعم قد يفقد العقل فاعليته، أو يتعثر في طريقه، نتيجة تقصير الإنسان وتفريطه، إما إهمالاً وتسامح، لعدم شعوره بالمسؤولية، أو لتغلب عوامل ومؤثرات أخرى عليه، من كسل، أو ضجر، أو شهوة، أو غضب، أو تعصب، أو تقليد أو غير ذلك مما يقف في طريق العقل ويمنعه من أداء وظيفته.

 فمثلاً: من أهم الأمور الدنيوية التي يحبها الإنسان ويهتم بها صحته البدنية، التي بها قوام حياته وبقاؤه في هذه الدني. ومع ذلك نرى الناس ـ مع اشتراكهم في حبها والاهتمام بها ـ مختلفين في رعايتها والحفاظ عليه.

  فمنهم من يبذل وسعه ويجهد جهده في ذلك، بالوسائل العقلائية الميسورة، مهما كلفه" 

‏"ذلك من تعب ونصب وقيود والتزامات. فيبحث عن أفضل الأطباء وأحذقهم، ويلتزم بتوجيهات الطبيب ونظامه العلاجي غير مبال بمتاعب ذلك ومصاعبه، كل ذلك من أجل اهتمامه بصحته وحبه للحياة.

  بينما نرى آخرين لا يراعون ذلك، لا لعدم حبهم للصحة والحياة، بل إما لتغلب روح الإهمال واللامبالاة عليهم، أو لاقتصارهم في العلاج على الطرق التقليدية الموروثة، جموداً عليه، أو كسلاً عن الفحص عن الأصلح، من دون مراعاة للطرق العقلائية في اختيار الطبيب المعالج ‏"وكيفية العلاج، أو لتعصبهم ضدّ الطبيب الأفضل بنحو يصعب عليهم الاعتراف له بالفضيلة، أو لضيقهم من التقيّد بالدواء ومواعيده، أو من بعض الالتزامات الأخرى التي يفرضها الطبيب عليهم، أو لغلبة شهوتهم لما يمنعهم الطبيب منه ويحميهم عنه من طعام أو شراب وغيرهم... إلى غير ذلك مما يأباه العقل السليم، ويستهجنه العقلاء بفطرتهم.

وليس ذلك لفقدهم القوة العاقلة، بل لعدم فاعلية العقل فيهم نتيجة ما سبق، حتى يتجمد أو يُغلَب. فهم يدركون ضرر سلوكهم وكأنهم لا يدركونه، ويملكون العقل وكأنهم يفقدونه.

العقل منشأ المسؤولية دائم

ولا يجنون من عقلهم إلا تحمل المسؤولية واللوم والتقريع، ثم الندم عند الوصول للنهاية المرة حين لا ينفع الندم. وكلما كان الضرر أكبر وأفظع كان اللوم والتقريع والندم أشدّ وأعظم. ولو أنهم فقدوا العقل حقيقة لكان خيراً" ‏"لهم، حيث لا مسؤولية، ولا لوم، ولا تقريع، ولا ندم.

 وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "استرشدوا العقل ترشدو، ولا تعصوه فتندموا" (2). وفي حديث حمدان عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: "صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله" (3).

وفي حديث عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين ‏"علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما [كليهم. علل الشرائع]. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم" (4).

وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول: ((إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُونَ)) (5).

وحين يقول: ((وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أعيُنٌ لاَ يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لاَ يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعَامِ بَل هُم أضَلُّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ)) (6)... إلى غير ذلك.

ضرورة استغلال العقل

فعلى الإنسان أن يعرف عظمة هذه النعمة التي فضل بها وارتفع عن حضيض الحيوانية،" ‏"ويستغلها لصلاحه وسعادته، في جميع أموره وشؤونه المتعلقة به، والدخيلة في سعادته وشقائه وخيره وشرّه. ويربأ بنفسه عن التخلي عنها والهبوط إلى مستوى الحيوان أو ما دونه، ثم يزيد عليه بتحمل التبعة والتقريع واللوم، ثم الندم حيث لا يغني ولا ينفع.

الهوامش:

(1) الكافي 1: 13."

(2)، (3) بحار الأنوار 1: 96، 87."

(4) وسائل الشيعة 11: 164، باب 9 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، حديث: 2.

(5) سورة الأنفال آية: 22.

(6) سورة الأعراف آية: 179."

*مقتطف من أصول العقيدة - السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سرّه)