الى من يهمه الأمر.. هذا ما تحتاجه الشعوب الإسلامية!

في صدد الصراع الدائر بين الشعوب الاسلامية والغربية وهذا الكم الهائل مما قيل او يقال عن سبل الارتقاء المفروض على الشعوب الاسلامية إتباعها كونها الطرف الفاقد لما حققه الغرب من حضارة وتطور, سواء أكانت تلك الحضارة مكتملة الجوانب وأن الاقتداء ضروري بذاته وعلى كل الاصعدة كما يرى البعض أو أن يطعن بحضارة الغرب في جانبها الروحي, وان التراث الاسلامي قادر إذا ما فعّلنا ثوابته ومعطياته على خلق حضارة بديلة تدفع عن الشعوب الاسلامية غائلة التخلف الذي تعيشه كما يرى بعض آخر ..   

في هذا الصدد, أظن أن هناك نقطة مهمة للغاية وهي الانسان العادي .. العنصر المنفعل بفعل التنظير الفلسفي والخالق الحقيقي لما يؤسس له ذلك التنظير في الواقع .. فالحضارة الغربية التي اعتمدت في نهضتها من سبات الكنيسة المنحرفة على تنظيرات جون لوك في العلمانية وبيكون في العلم ومارتن لوثر  في الاصلاح الديني ووووو .. كان يمكن أن يكون ذلك التنظير حبرا على ورق لولا الانسان العادي الذي أخرج هذه الافكار الى حيز التطبيق وجعلها شيئا ملموسا, وكان ذلك الانسان بتحولاته الايجابية على الصعيد العلمي والاجتماعي شاهدا على جدوى ذلك التنظير وصحته.

وهنا اثير النقطة التي اراها المفصل الاساس في الموضوع وهي ان الحداثة الغربية حين اعتبرت مسألة النزول من الله الى الانسان واستبدال الجنة الميتافيزيقية  بالأرض الملموسة  كمسرح ممكن لتحقيق السعادة .. حين اعتبرت تلك المسألة, القضيةَ الام في متبناها الفكري فقد جعلت الانسان الغربي في حالة يمكن أن ينطبق عليه القول الشائع ( البحر من ورائكم ) فكانت الحياة الدنيا هي المدار الاوحد لا يعوِّل على غير استصلاحها في سبيل سعادته التي انحصرت ـ في منظوره ـ  براحته ومتعته,  فراح بذلك يتفانى في العمل ويحترم النظام الى غير ذلك من عوامل الرقي الحضاري, ولكون الفكر المعتمد هو فكر مادي  فقد استغنى عن أية ثقافة روحية واعتمد على الالية المادية لدفع الانسان للالتزام بخطه والاندفاع في تحقيق غاياته, فنتيجة للتطور التكنولوجي الذي شمل كل مظاهر الحياة والأنظمة الاقتصادية المعمول بها, إنساق الانسان الغربي في تحقيق ما أكتسب من خلاله الصفة الحضارية وعاد عليه بقيم اخلاقية صحيحة, وهذا لا يعني أن نغفل الفردوس الروحي المفقود لدى الغرب والذي شكل عاملا في ضمور العنصر الروحي المكوِّن الهام في النوع الانساني, وتدهور يوشك ان يكون انفلاتا في الثوابت الاخلاقية, ونسبة الجريمة والانحراف .

 فيما اعتمدت الرسالة الاسلامية الخالصة من أي انحراف في مشروعها الاصلاحي الشامل على الانشداد الى الله في مطلقيته  واعتبار الانسان خليفة له وبالتالي فإن الحضارة التي بشّرت بها تلك الرسالة تنتج من تفاعل المادة والروح, فينهل الانسان من الله, غير الفاقد لأي عنصر من عناصر الكمال, ما يبني به حياته على الارض بعد ان اعتبر الاسلام عمارة الارض من قبل الانسان جزءا مهما في مهمته إزاء الله إضافة الى عمله للآخرة ، بل انه لم يفرق بين هذه وتلك, وجعل عمارة الارض ـ بما رسمه من ملامح حقيقية للإعمارـ أساسا للفوز بالآخرة وذلك لغنى الله المطلق عن الانسان وكل ما يتعلق به, فالوصول الى الجنة الميتافيزيقية في الاسلام وقف على سعي الانسان في خلقه الجنة على الارض.

ولما كانت النظرية بهذا المحتوى الروحي والغيبي كان التطبيق بحاجة الى جهود كبيرة في نشر الثقافة الروحية,  واعتماد الوعظ والإرشاد,  لدفع الانسان الى الالتزام بخطها وتحقيق غاياتها من خلال التأكيد على هذه المرتكز الاساس, والى حتمية المزاوجة بين موروثه العبادي  ووجوده  المادي.

وعليه فإن النهوض بواقع الشعوب الاسلامية ـ كما اعتقد ـ بحاجة ماسة الى نهضة حقيقية في الاجهزة الإعلامية ذات الخطاب المباشر مع الناس. تعمل على رسم النموذج الاسلامي الحقيقي ببث الوعي المطلوب بمتانة العلاقة بين ما هو ديني ومدني, فضرب اشارة المرور والتلكؤ  في العمل محرم كحرمة تبرج المرأة, والدين الاسلامي يجعل من الفعل العبادي كالصلاة محركا فعالا للإنسان ـ حين تنهى الانسان عن الفحشاء والمنكر ـ في تقويمه كلبنة أساسية يقوم عليها المجتمع .