زينب بنت علي (ع) ملهمة ثوّار لا ربيبة دلال

وهاج في القلب عبير الذكرى ليحمل عبقاً زينبياً بقلب "هاجر" الذي هاجر لرحال الاطيبين محمد وآله الأطهرين.

وتمتمت بين عالم الامنيات والواقع: "أتُراني سأكون يوماً بذلك الضريح الطاهر المبارك الزينبي لسيدة الخدر وشرف الفخر (زينب أبنةُ علي)؟؟".

وجاء أوان تحقق الامنيات والاحلام، كيف لا وهي بعين أبواب الارض والسماء عليهم صلوات الله أجمعين وابتهلت لله بصبر ودعاء يشّق عباب السماء بالزيارة.

وعاشت هاجر قصة التهيؤ بكل تفاصيلها.. وينابيعها الطاهرة العذبة.

وكانت مما آلت به على نفسها أن تتزود أكثر وأكثر معرفة ووعيا ومنهجا لعقيلة الهاشمين عليها السلام إن كتب الله لها الزيارة (بأسبوع معرفي متكامل).

ها هي إذاً تعيش بين أجنحة تحقق الحُلم والسفر الى قبرها المبارك الطاهر، ومن الحري بها الآن أن تبرّ بقسمها وعهدها الذي عاهدت به.

وبدأت بكتب كانت بين يديها وجمعت كتباً أخرى من مكتبات الأقارب، واشترت مجموعة كتيبات تحكي عن تلك الخفرة العظيمة سيدة الاعلام وبوابة التقوى وجبل الصبر وحاملة الرسالة المحمدية العلوية الحسينية، وذلك أقل ما تقدمه هاجر لتلك السيدة العظيمة بل لنفسها أولاً لأنها سترتقي وتتطهر بماء النهج الزينبي الاكمل والأقوم.

البداية مع "ملهمة الثوار"

كانت البداية مع كلمات قرأتها من كتابها الاول هامت في بحورها شوقا وعشقاً وهي تبحر بفضاء الكلمة إذ تقرأ:

إن كان للرجال مفخرة وهو علي بن ابي طالب رجل الحق والصدق ومعدن الفكر والعدل، فإن زينب عليها السلام مفخرة للنساء قاطبة، فمن الامام علي نستمد الثبات ومن زينب نتقدّ بالنهج القويم.

زينب هي ملهمة الثوار، زينب هي السيف القاطع والمشعل الذي يقود المسيرة، فالمرأة اليوم ستنال الحظوة إذا ما كانت كالفصيل لفخر المخدرات، فالعقيلة الحوراء لم تكن أم المصائب فقط، رغم المعاناة التي تحملتها والمآسي التي تكبدتها بل أم لكل الفضائل والمناقب ويبقى لربيعها الفواح فصول متنوعة إذ يطالعنا قول المعصوم لها عليه السلام: "أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة"

 فهي تاج من ذي الإنجيل المحمدي، وبطولتها في الدفاع عن قيادة السماء مسرح يكشف عن شدة بسالتها فتارة تدافع قاتل الحسين، وأخرى تحمي بقية آل محمد من سيف الجلاد: "فإن كنت قد عزمت على قتله فاقتلني قبله".

كلمات تدوي في عنق الزمان لتعلمنا معنى المدافعة والإيثار لصالح القيم.

وسرحت هاجر مع وقع هذه الكلمات لتخوض عباب الفكر، تُراها أيُ أمراة تلك التي حفرت أسمها بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ، وبكل قوة وصلابة رغم فداحة الخطب وعظيم المصاب؟!

ومازالت هاجر تسرح بهذه الصور، حتى غلبها النوم ظاهراً وطارت روحها لعالم الفخر الملكوتي الزينبي الزهرائي باطنا بأحلام الوصل والسير على المنهج القويم.

ومن هنا قررت الرجوع للبيئة العظيمة التي تربت بها الحوراء عليها السلام مع كتبها التي باتت تعشقها ولا تُحب أن تفارقها بكل لحظاتها لينابيعها الزينبية المتدفقة والممتدة لتلك العظيمة زينب عليها السلام.

وهكذا بدأت لتقرأ: "لم تكن ربيبة الدلال"

لزينب الطهر كرامة يعرفها من قصدها، ولهذه الكرامة منبع؛ فالقرآن مربيها والكرار مغذيها، لم تكن ربيبة الدلال فهي وارثة الزهراء لم تخرم مشية أمها البتول، حجة على كل البشر، ألم تكن عفيفة رغم العدى؟! وحشمة طول المدى؟! فلماذا بدلنا الحوراء بحمالة الحطب؟! أعشقنا آكلة الاكباد فاستهوتنا فتنتها؟! أم أن زينة الشيطان أغرتنا فلبسناها كما يهوى ونسينا قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)، لقد ضاعت العفة في زمن قاتلت زينب من أجلها، وولى الحياء فكانت القدوة بنات طارق.

لهذا كان لزاماً على كل مؤمنة أن تضرب أروع الأمثال في الاحتشام والاستقامة على الطريق.

الحجاب رفيق.. ما رأينا لزينب شخصاً ولا سمعنا لها صوتاً

وبقيت هاجر تسرح بمخيلتها فيعالم العفة ذلك لتُكمل السطور:

ومن أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام بعد السيدة الزهراء عليها السلام ابنتها عقيلة الطالبيين زينب بنت علي بن أبي طالب وقد بلغت من الحرص على الحجاب والستر حدّ أن تجعل في أول ما وبَّخت يزيد الطاغية عليه رغم كثرة وعظم جرائمه هتك ستور النساء وتعريضهن لأنظار القوم في مسير السبي.

ولا عجب فإن الحجاب والعفاف رافق حياة هذه العظيمة حيث يروى أن يحيى المازني قال: "كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة المنورة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله تخرج ليلاً والحسن عليها السلام عن يمينها والحسين عليها السلام عن شمالها وأمير المؤمنين عليها السلام أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليها السلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن عليها السلام مرة عن ذلك فقال عليها السلام: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب عليها السلام "

ورغم ما كانت تقرأ -هاجر- وثقتها بعظيم موقع ومنجزات هذه السيدة العظيمة المهابة الاّ انها بقيت منتظرة الاسباب والامور التي تكاتفت لتصوغ هذه الدرة الاروع أبنة علي عليه السلام لتكون مناراً لكل النساء وعلماً لكل صبر ووفاء.

إعداد إلهي..

واستمرت لتقرأ:

إن التربية الملتزمة الواعية توصل المرأة إلى منزلة القيادة والقدوة والكمال، للنساء بل للرجال أيضا، كما وصلت إلى هذه المنزلة الرفيعة بعض النساء المميزات في حركة التاريخ، ومن هؤلاء النساء السيدة زينب عليها السلام التي جسّدت مختلف أدوار المرأة.

ويبدو جليّا لنا من خلال تتبع حياة هذه المرأة العظيمة أنها كانت معدة إعدادا إلهيا خاصاً للقيام بهذا الدور العظيم الذي حفظ الإسلام من التحريف، فقد ذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين علم بمولد زينب عليها السلام وجم وبكى وضمها إلى صدره وهو يوسعها تقبيلاً، حتى أثار ذلك عجب أمها سيدة نساء العالمين فقالت: "ما يبكيك يا أبتي؟ لا أبكى الله لك عينا"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة أعلمي أن هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصب عليها الرزايا والمصائب". 

وفي بعض الروايات: "إن الحسين عليه السلام إذا زارته زينب يقوم إجلالا لها، وكان يجلسها في مكانه".

وهنا تعبت (هاجر) بدنيّاً لقراءتها المستمرة لكن روحها مازالت عطشى وبشوق وتوق غامر لتتبع أسرار تلك الحُرة الابية اللبوة العلوية فنامت وكتابها الحبيب على صدرها لتصحو على غد زينبي مورق.

بدأت هاجر من جديد بإشراقة شمس الصباح المزدانة بالحب والامل لتكمل كل أعمالها المنزلية بقوة وحماسة ما عهدتها من قبل وكأن سيدة الخدر نفثت في جلبابها سحرا وملأت قلبها نورا وهاجاً خفاءً وسراً لتدخل وتتزود من كتبها.. ها قد عادت بعد أن أنهت عملها المنزلي لتقرأ:

قبسٌ من صفاتها الطيبة العظيمة

-عبادة زينب عليها السلام: كانت تقضي عامة لياليها بالتهجّد وتلاوة القرآن، وفي رواية: أن الحسين عليه السلام لما ودّع أخته زينب وداعه الأخير قال لها: يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل.

- شجاعتها: قال ابن مرجانة سائلاً عنها: مَن هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ فأعرضت عنه احتقاراً واستهانة به، وكرّر السؤال فلم تجبه، فأجابته إحدى السيّدات: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأبطل أحدوثتكم.

فأجابته عليه السلام بشجاعة أبيها محتقرة له قائلة: "الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنــــَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَـــاجِرُ، وَهُوَ غَيْـــرُنَا يَا بْنَ مَرْجَانَة".

- تسليمها: وكذلك عندما خاطبها مستهزئاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟ فأجابته قائلة: "ما رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلاً، هؤُلاَءَ قَوْمُ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يا بْنَ مَرْجَانَةَ..".

د- ثباتها ومواجهتها للظالمين:

قال بشير بن خزيم ألأسدي: ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذ، ولم أر خفرة والله أنطق منها، كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت: " فَلَا رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ...َأتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ فَابْكُوا كَثِيراً، واضْحَكُوا قَلِيلاً، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا..."

وهنا طافت بروح هاجر أشباح الغدر ووقع صليل سيوف القتل بواقعة ما شهد لها التاريخ من مثيل واهجت بها العبرات والزفرات من أسياد الارض والسموات الذين منعوا ماء الفرات واختلطت بالعين دمعة وبالقلب زفرة وحسرة لتلعن الظالمين معاهدة أنها ستزور زينب عليها السلام وستبقى مستوحية لتلك الروحانية العالية بكل وقت وزمان بل ستنشر ذلك العبق الطاهر مع كل حديث ومقال وكذلك ستستمر بالقراءة والاطلاع اكثر واكثر عن اهل البيت عليهم السلام واستقصاء سيرتهم العظيمة فخراً بان لنا قادة وسادة وأبواب لله كمحمد واله الأطهار الاخيار.