الإمام الحسن (ع).. بعض مواقفه في الدفاع عن الإسلام

كان الإمام الحسن يقاتل مع أبيه أمير المؤمنين جنباً إلى جنب وفي الخط الأمامي من ساحة القتال في حرب الجمل، وكان يتسابق مع أصحاب علي ـ عليه السَّلام ـ الشجعان البواسل في ذلك، ويشن على قلب جيش الأعداء هجمات خطيرة وعنيفة (1).

و قبل بدء الحرب دخل الكوفة وبأمر من أبيه برفقة عمار بن ياسر وعدّة من أصحاب أمير المؤمنين ودعا أهلها للمشاركة في القتال (2).

دخلها في الوقت الذي كان أبو موسى الأشعري أحد عمّال عثمان على الكوفة، وقد أبقاه الإمام لأسباب في منصبه وهو يعارض حكومة أمير المؤمنين العادلة ويثبط المسلمين عن الاصطفاف في جيش علي لمحاربة الناكثين، غير انّه ورغم ذلك استطاع أن يعبّئ جيشاً تعدى التسعة آلاف مقاتل وبعث بهم إلى ساحة القتال (3).

وقد كان له دور فاعل في تعبئة القوات وإرسال الجيش إلى قتال معاوية في حرب صفين أيضاً، وكان يدعو أهل الكوفة إلى الجهاد بجانب أمير المؤمنين للقضاء على أعداء الإسلام وخونته (4).

وقد بلغ في استعداده للتضحية في سبيل الحقّ مبلغاً في حرب صفين جعل أمير المؤمنين يطلب من أصحابه أن يمنعوه هو وأخاه الحسين من مواصلة القتال لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ (5).

لم يتساهل الإمام الحسن ـ عليه السَّلام ـ يوماً في بيان الحقّ وإظهاره والدفاع عن الإسلام، فقد كان ينتقد الأعمال غير الإسلامية التي كان يقوم بها معاوية، ويكشف الغطاء عن ماضيه المشين المخزي علناً وبلا مهابة. تشهد له بذلك مناظراته واحتجاجاته المثيرة والدامغة معه هو وأتباعه ومرتزقته، أمثال: عمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم(6).

وقد وصل به الأمر إلى أن ـ و ذلك بعد عقد الصلح الذي ازدادت به قوّة معاوية وثبت موقعه أكثر من السابق ـ يرتقي المنبر حينما دخل معاوية الكوفة، ويشرح دوافع صلحه ومناقب آل علي بن أبي طالب، ثمّ تطرق بعد ذلك إلى مثالب ومساوئ معاوية، وبحضور الجميع ووجّه إليه نقداً لاذعاً وبصراحة شديدة(7).

وبعد استشهاد أمير المؤمنين وصلح الحسن عبّأ الخوارج قواتهم جميعاً لقتال معاوية، وقد سمع هذا الأخير انّ حوثرة الأسدي ـ وهو من قادة الخوارج ـ قد تمرّد عليه وجنّد له جيشاً. وأرسل معاوية ـ لتثبيت موقعه وتعزيزه ومحاولة منه للتظاهر بأنّ الإمام مطيع لأوامره ـ إلى الحسن و هو في طريقه إلى المدينة رسالة يدعوه فيها إلى القضاء على تمرّد حوثرة، ثمّ يواصل مسيره، فأجاب الإمام: «واللّه لقد كففت عنك، لحقن دماء المسلمين، انّي تركتك لصلاح الأُمّة وما أحب ذاك يسعني، أفأُقاتل عنك قوماً أنت واللّه أولى بالقتال منهم(8).

تظهر في هذه الكلمات روح البسالة والشجاعة لا سيما تلك العبارة التي يحتقر فيها معاوية بكلّ عظمة حيث قال:(فَاِنِّى تَرَكتُك لِصَلاحِ الاُمِّه)(9).

الهوامش:

(1) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص21.

(2) ابن واضح، تاريخ اليعقوبي، النجف، منشورات المكتبة الحيدرية، 1384 ه".ق، ج 2، ص170 - ابن قتیبة الدینوري، الامامة والسیاسة، ط 3، القاهرة، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1382 ه".ق، ج 1، ص67.

(3) ابو حنفیة الدينوري، الاخبار الطوال، ط 1، القاهرة، دار احیاء الکتب العربي، (افست انتشارات آفتاب طهران) ص144-145 - ابن اثیر، الکامل في التاریخ، بیروت، دار صادر، ج 3، ص231.

(4) نصر بن مزاحم، وقعة صفین، ط 2، قم، منشورات مكتبة بصیرتي، 1382 ه".ق، ص113.

(5) ابن ابى الحدید، شرح نهج البلاغة، القاهرة، داراحیأ الکتب العربیة، 1961 م، ج 11، ص25 (الخطبة 200).

(6) الطبرسي، الاحتجاج، النجف، المطبعة المرتضویة، ص144-150.

(7) الطبرسي، الاحتجاج، النجف، المطبعة المرتضویة، ص156.

(8) ابن ابي الحدید، نفس المصدر، ج 5، ص98 - ابن اثیر، الکامل في التاریخ، بیروت، دار صادر، ج 3، ص409 - علي بن عیسى الاربلي، کشف الغمة في معرفة الائمة، تبریز، مکتبة بني هاشم، 1381 ه".ق، ج‏2، ص199 – ابو العباس المبرد، الکامل في اللغة والادب، ط1، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1407 ه".ق، ج 2، ص195.

(9) التجميع من كتاب: سيرة الأئمة، مهدي بيشوائي، مؤسسة امام صادق (عليه السلام)، قم، 1390ش، الطبعة الثالثة والعشرون، ص93.