ما وراء تعدد زوجات النبي (ص): لم يكن شهوانياً وتزوج بنساء أكبر منه

بدايةً لا بد أن نسلم بحقيقة مهمة من خلالها ستنفتح أمامنا نوافذ يمكننا الولوج من خلالها الى فهم إشكال تعدد زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذه الحقيقة هي أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) يختلف من حيث التكاليف عن غيره ممن يدين بدين الإسلام، وخذ على ذلك شواهد، نذكر منها:

1 ـ أنه مأمور بقيام الليل والصلاة في جوفه، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا).

فرغم أن قيام الليل والصلاة فيه مستحب في حد ذاته، إلا أن هذا الاستحباب بالنسبة لعموم المكلفين باستثناء النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) فقد أوجبه الله تعالى بحقه، كما دلت على ذلك الآية الكريمة.

2 ـ منع من أن يغمز أصحابه بعينه، حيث ذكر بعض المحدثين أنه لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟، قال: "إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين".

وإذا اتضح ما تقدم، فإننا نقول: ما دامت حقيقة اختلاف التكاليف ثابتة بين النبي (صلى الله عليه واله) وسائر الناس ـ كما دلت عليه الشواهد المتقدمة ـ يمكننا أن نجري ذلك على مسألة تعدد زوجاته.

ومع إن أغلب المستشكلين في خصوص هذا الموضوع ربما لا يتوافقون ونبرة الدليل المتقدم بل يعزون الأمر الى مسألة واحدة، وهي أن الغرض من تعدد زوجاته "النهم الجنسي"، أي لمجرد شحن الغريزة لا أكثر، ومن هنا كان لزاماً أن نساير هذا الإشكال والرد عليه بنفس النمط الذي استوحاه صاحبه فنقول: إن مسألة تعدد الزوجات لا تخلو من عدة أمور، أبرزها:

1 ـ أن يكون هدف هذه الزيجات تكثير النسل، بمعنى آخر أن العنصر العربي دائماً ما يميل إلى حياة البداوة وهذه البيئة تميل الى الخشونة فكان أفراد ذلك المجتمع يميلون الى تكثير النسل لإقامة المجتمع القبلي القائم على قاعدة أنصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً، ومن المؤكد أن التفكير بهذه الطريقة كان يضع في حساباته أن الخطوة الأولى لإنجاحها لابد تكثير الزيجات لأن المرأة هي القناة الطبيعية التي تمد الحياة بنسخ جديدة من أفراد الجنس البشري.

2 ـ أن يكون الدافع من وراء تعدد الزيجات هو الجانب الغريزي الشهوي، فالمتعارف أن أفراد البشر (الذكر والأنثى) يكون بينهم ميول غريزية بحيث يسعى كل منهم الى إشباع تلك الغريزة، وقد تطغى تلك الطبيعة الغريزية بحيث لا يكتفي بعض الأفراد (الذكور) بفرد أنثوي، بحسب عوامل الجذب التي يمتلكها ذلك الفرد التي منها الشباب والجمال والذكاء الخ..

فيكون هذا السبب عامل مساعد على أن يقترن الذكور بأكثر من امرأة، فهل هذه العوامل هي التي دعت النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) الى يقترن بأكثر من امرأة؟

أقول: أما العامل الأول فبعيد لأسباب متعددة:

1 ـ كانت سيرته (صلى الله عليه واله) قائمة على حقيقة أنه زعيم عالمي وليس زعيماً قبلياً، مما يعني أن تطلعاته كانت تهدف الى انتشال المجتمعات الأرضية من الانحطاط الى الرقي والتكامل وهذه المهمة ليست باليسيرة التي تضطلع بها الأبناء والقبيلة.

2 ـ ثم إن الواقع أثبت أنه ليس بصدد تكثير نسله، حيث قال لإحدى زوجاته وهو يعدد لها مناقب السيدة خديجة (سلام الله عليها) (آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ).

ومن الشواهد أيضاً أنه (صلى الله عليه واله) قال: كل بني ام ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة، فاني أنا أبوهم وعصبتهم .

وقال أيضاً: إن اللَّه جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن اللَّه جعل ذريتي في صلب علي.

وهذه الأدلة المتظافرة لا تجعل مجالاً للشك في أن الهدف من زيجاته كان تكثير النسل، إذ أنه قد حدد أن امتداده الطبيعي خلافاً لسائر الأعراف والتقاليد المتبعة التي تحتم أن يكون من الأولاد الذكور، بخلافه هو (صلى الله عليه واله) الذي اعتبر أن ابنته الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها) هي القناة التي تشكل امتداده الطبيعي، كما طالعنا الروايات المتقدمة.

[ذات صلة]

أما النقطة الثانية من الاحتمالات ـ وهي كون التعدد بدافع الغريزة ـ فهذا الاحتمال مدفوع بالوقائع التي دلت عليها سيرته المباركة، فمن المعلوم أن من يكون همه الشهوة والجنس فإنه ينتقي أفضل النساء وأجملهن وأصغرهن سناً، بينما يدلنا الواقع على أن غالبية زوجاته كان منهن كبيرات في السن وأرامل، بل كان بعضهن حين تزوجها لها من العمر 50 سنة، فهل من همه الشهوة يقدم على هكذا نوع من النساء؟.

 والملفت للنظر أنه كان باستطاعته اختيار أجمل النساء وأكثرهن شباباً ونظارةً وكان هذا الأمر بمتناوله (صلى الله عليه واله)، لكنه كان يختار هذا الصنف من النساء لأصحابه بل للضعاف منهم، كما في حادثة تزويج جويبر من الدلفاء بنت المنذر فقد ورد في أوصافها أنها كانت من أجمل نساء العرب وكان أبوها زعيماً من زعماء الأنصار، فقد أرسل اليه النبي (صلى الله عليه واله) يأمره أن يزوج إبنته لجويبر، وزوج إبنة عمه ضباعة بنت الزبير من المقداد بن الأسود، وزوج إبنة عمته زينب بنت جحش الشابة من إبنه بالتبني زيد بن حارثة.

فيتحصل مما تقدم أن هدف كثرة زيجات النبي (صلى الله عليه واله) بما أنه قد دفع عنه محذور الهوس الجنسي، فلم يبقَ أمامنا الى الإقرار بأن الغاية والهدف كان غرضياً عقلائياً مهما اختلف في تفسيره.