في ذكرى رحيل النبي.. هكذا يرى علي (ع) محمداً (ص)

توسمت شخصية الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) بكمالات حيرت أرباب العقول وكل قاصد لمعرفته، وأنى لنا معرفته وهو القائل: (يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا)[1] ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

لذا لو أردنا أخذ نزر من معرفة هذه الشخصية العظيمة يحدونا العقل الى أعتاب باب مدينة علمه وأعرف الخلق به علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) والوقوف على بعض درره في وصف النبي (صلى الله عليه وآله) في عدة وقفات:

1-    في طفولته وكهولته:

قال عليه السلام : (خير البريّة طفلا، وأنجبها كهلا)[2]

فعن عمه أبي طالب قال في النبي (صلى الله عليه واله) : لم أرَ منه كذبة قط، ولا جاهلية قطّ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضحك، ولا يدخل مع الصبيان في لعب، ولا التفت إليهم، وكان الوحدة أحبّ إليه والتواضع..)[3]

والكهل: الرجل الذي يتجاوز الثلاثين.

فقد جاء في الخبر: (لمّا بنت قريش الكعبة، وتنازعوا في رفع الحجر ووضعه في محلّه، وحكّموا النبيّ (صلى اللّه عليه وآله) فحكم بينهم بما ارتضوه، قال قائل متعجّبا من انقياد شيوخ قريش لشابّ وكان يومئذ ابن خمس وثلاثين: أما واللات والعزّى ليفوقنّهم سبقا، وليقسمنّ بينهم حظوظا وجدودا، وليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم)[4]

2-   نزر من سيرته:

وقال عليه السلام: (سيرته القصد، وسنّته الرّشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل)[5]

القصد هو التوسط والاعتدال، وضده التجاوز عن ذلك، وبعبارة أخرى القصد هو منهج لا افراط فيه ولا تفريط، فقد بين الامام علي (عليه السلام) اعتدال سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) في جميع مجالات حياته المباركة عباديا واخلاقيا وسياسيا واقتصاديا.. حتى وصفه القران الكريم: (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[6]، (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[7].

فقد كان (صلى اللّه عليه وآله) يقسم لحظاته بين جلسائه، ولا يتكلّم إلاّ في ما رجا ثوابه، فإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير، ولم يكن المسلمون وحدهم في دهشة من كمالاته، بل وقف غيرُهم متحيرا من عظمة شخصيته وعلو مقاماته.

فقد صرح برنارد شو الفيلسوف العالمي بقوله: (ان دين محمد هو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز على أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جاذبا لكل جيل ... ان محمدا يجب أن يدعى منقذ الانسانية، وأعتقد أنه لو تولى رجل مثله زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشاكله بطريقة تجلب إلى العالم السعادة والسلام، ان محمدا أكمل البشر من السابقين والحاضرين، ولا يتصور وجود مثله في الآتين)[8]

3-   في أفضليته على جميع الخلائق:

وقال عليه السلام: (وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله وسيّد عباده)[9] (لا يوازى فضله)[10] (المجتبى من خلائقه... والمصطفى لكرائم رسالاته)[11] (أرسله بالضّياء، وقدّمه في الاصطفاء)[12]، (فهو إمام من اتّقى، وبصيرة من اهتدى)[13]

تلألأت هذه الكلمات بمقامات النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) التي لا يدانيه فيها احد، فقوله: (سيد عباده) و (المجتبى من خلائقه) و (قدمه في الاصطفاء) و (امام من اتقى) و (لا يوازى فضله).. كل هذه بيانات بان مقام النبي (صلى الله عليه وآله) وفضله لا يدانيه فيه أحد من خلق الله طرا بلا استثناء، فهو أول من خلقه الله تعالى

ومنه خلق كل خير كما ورد في كتب الفريقين.

إننا نعتقد، أن مسير مئات الآلاف إلى مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) إحياءً لذكرى رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في الـ 28 من صفر الخير، ما هو إلا تجسيد حي للمودة في القربى، الذي أمر به الله تبارك وتعالى في قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[14].

 

[1]  روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: ج5 ص492.

[2] نهج البلاغة : خطبة 105.

[3] المناقب لابن شهر آشوب: ج1 ص37 .

[4] الطبقات لابن سعد: ج1 ص94.

[5] نهج البلاغة : خطبة 94.

[6] يس: 3- 4.

[7] القلم: 4.

[8] في ظلال نهج البلاغة: ج1 ص63 نقلا عن جريدة الجمهورية المصرية عدد 14 مايو « أيار » سنة 1970.

[9] نهج البلاغة : خطبة 214.

[10] نهج البلاغة : خطبة 151.

[11] نهج البلاغة : خطبة 178.

[12] نهج البلاغة : خطبة 212.

[13] نهج البلاغة : خطبة 94.

[14] الشورى: 23.