دية المرأة "نصف" دية الرجل؟... لماذا؟!

من المواضيع التي اخذت قسطا طويلا من البحث والاخذ والرد، ومحاولات للإجابة عن التساؤلات المثارة حولها هي مسألة "دية المرأة".

وقبل الخوض في تفاصيلها، لا بد من بيان مفهوم "الدية" بشكل عام وعلى نحو مختصر، فنقول: سُمّيت الدية؛ لأنّها تُؤدّى عِوضاً عن النفس، والمراد بها بالمعنى الفقهي المال الواجب بسبب الجناية على النفس أو على الاعضاء.

دية المرأة

اتفق فقهاء المسلمين من الخاصة والعامة على ان دية المرأة نصف دية الرجل ولم يخالف في ذلك الاّمَن لا يُعتَد بقولهم.

قال المحقق الحلي رحمه الله في الشرائع: (ودية المرأة على النصف من جميع الأجناس ـ أي من جميع انواع الدية المذكورة في الفقه).

وعلق الشيخ صاحب الجواهر رحمه الله على عبارة المحقق بقوله: وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن دية المرأة الحرة المسلمة صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، سليمة الأعضاء أو غير سليمتها، على النصف من جميع الأجناس المذكورة في العمد وشبهه والخطأ، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص، بل هو كذلك من المسلمين كافة إلا من ابن عُليَّة (كان من فقهاء المعتزلة) والأصم (هو عبد الرحمن الأصم أستاذ ابن علية وشيخ المعتزلة)، فقالا هي كالرجل... ( جواهر الكلام - ج ٤٣ص32)

قال ابن قدامة في المغني: (ودية الحرة المسلمة، نصف دية الحر المسلم).

وقال القرطبي في تفسيره: (وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل).

وقال السيد الخوئي قدِّس سرُّه في مباني تكملة المنهاج - الجزء الثاني: القصاص:  (من دون خلاف بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع بقسميه مستفيضاً، بل هو كذلك بين كافّة المسلمين إلاّ ابن علية والأصمّ.

وتدلّ على ذلك عدّة روايات:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في رجل قتل امرأته متعمّداً «قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاءُوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» (الوسائل 29ج: أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1.).

 ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة ودية المرأة نصف دية الرجل» (الوسائل 29 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 2).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: في الرجل يقتل المرأة متعمّداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه «قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل» الحديث (الوسائل 29 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3).

ما هي المصلحة في تنصيف الدّية؟

يقول بعض الباحثين: أن جعل دية المرأة نصف دية الرجل والتفريق بينهما ليس له مصلحة وهو تفريق بلا سبب.

وفي معرض الجواب عن هذا التساؤل والاعتراض نقول:

أولا: إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف، وليست هي معيار تقييم الإنسان، أنّ المرأة المسلمة كالرجل المسلم من حيث دورها وأهميتها في المجتمع، وليس اختلاف الديّة دليلاً على نقصان في كرامة المرأة، وليس لها علاقة من جانب التفاضل الروحي، وذلك أن البدن ليس أكثر من أداة، ولهذا البدن دية مشتركة سواء كان بدن العالم، أو طبيب أو مهندس، أو مبتكر أو عامل بسيط.

ومن هنا يتضح ان الدية شرعت لسدّ الضرر المالي الوارد على الأُسرة بسبب قتل النفس فهي لها علاقة بالبدن، وسد الفراغ الحاصل بفقدانه. لأنه من الواضح أنّ الضرر المالي والخلل الاقتصادي الّذي يصيب العائلة بفقد الرجل أكثر منه في حالة فقدان المرأة.

ولذلك أصبحت دية المرأة نصف دية الرجل. كلّ ذلك حسب طبيعة المجتمع الإسلامي الّذي حمّل الرجل مسؤولية إدارة الأُسرة والقيمومة.