الأصوات الحسنة.. هل تعد غناءً؟

تعتبر ظاهرة انتشار الغناء والموسيقى واستماعهما في أوساط من ينتسبون للإسلام من الأمور التي تشكّل انتكاسة لتلك المجتمعات، حيث ورد النهي عنهما في كثير من آيات الذكر الحكيم والسنة المطهرة الواردة على لسان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).

وإذا كان الزمان الغابر قد أخذت فيه هذه العادة حيزاً ضيقاً على مجال التداول من حيث مجالسها وكمية روّادها، فاليوم أصبح الوضع يختلف كثير الاختلاف، فتحولت مجالس الغناء والموسيقى من تجمعات ضيقة تقتصر على بعض الأفراد إلى فضائيات موجهة تبث الكليبات الغنائية التي تخدش الحياء وتهيج كوامن الغرائز، لما تحتويه من مقاطع فاضحة.

قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يرْجِعُونَ} ([1]).

فاتبعت هذه الفئة أهواءها وخضعت لشهواتها التي أعمت بصائرها، بل قادتها إلى مواطن الذل والخسران واستحكم حب الدنيا في قلوبها، فضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة خسران كبير، يعوّلون على الرجاء الكاذب والأمل الذي لا ينتهي، يسبحون في بحر الغي والضلالة، أحاطت بهم الغفلة من كل مكان فلا يبصرون نور الله تعالى {فَإِنهَا لا تعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} ([2]).

وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتبعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يلْقَوْنَ غَيًّا} ([3]).

الغناء في اللغة والاصطلاح

الغناء: اسم ـ بكسر الغينـ على وزن كساء.

والغناء في اللغة: التطريب والترنّم بالكلام الموزون وغيره يكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب([4]).

وقال الفيروزآبادي: والغِناءُ ككِساءٍ من الصَّوْتِ: ما طُرِّبَ به.([5])

وأما في الاصطلاح: فالغناء  بكسر الغين ـ من غنى، تطريب الصوت بكلمات موزونة... ترديد الصوت بالشعر ونحوه بالألحان، أما التغني فهو الترنّم.([6])

وقيل في معناه: إنه ترجيع للصوت مع الطرب الموجب لخروج الإنسان من حالته الطبيعية التي كان عليها قبل الطرب.

ما هو الغناء؟

قد لا نواجه إشكالاً مهماً في معرفة حرمة الغناء، لكن الإشكال في تشخيص موضوع الغناء، فهل أنّ كلّ صوت يعد عرفاً من الأصوات الحسنة هو غناء؟

من المؤكد أنّ الواقع بخلاف هذا التوجه، لورود العديد من الرّوايات الإسلامية، تدعو إلى قراءة القرآن والأذان بصوت حسن. فعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر) ([7]).

والسؤال الآخر هو: هل أنّ كلّ صوت فيه ترجيع ـ وهو تردّد الصوت في الحنجرة ـ يعتبر غناءً؟

وما يمكننا أن نخلص إليه في هذا المجال من مجموع كلمات الفقهاء في خصوص هذا الموضوع، أنّ الغناء هو كلّ لحن وصوت يُطرب، ويشتمل على اللهو والباطل.

وبعبارة أوضح: الغناء هو الأصوات والألحان التي تناسب مجالس الفسق والفجور، وأهل المعصية والفساد.

ومعنى مناسبته لأهل الفسق والفجور؛ بسبب تحرّيكه للقوى الشهوانية عند الإنسان، بحيث يكون شعور ذلك الإنسان في تلك الحال أنّه لو كان إلى جانب هذا الصوت خمر ومسكر وإباحة وفساد جنسي، لكان ذلك مناسباً جدّاً.

وينبغي الالتفات إلى مسألة في غاية الأهمية قد يغفل عنها البعض، وهي أنّ بعض الألحان تُعدّ أحياناً غناءً ولهواً باطلاً بذاتها ومحتواها؛ كأشعار العشق والغرام وما يعبّر عنها في الأوساط: (أشعار الحب والغزل)، والأشعار المفسدة التي تُقرأ بألحان وموسيقى راقصة.

كما أن قراءة القرآن الكريم والأدعية والمناجاة ونحوها إذا قرأت بألحان تناسب مجالس اللهو والفساد فهي غير جائزة.

*من كتاب: "الغناء وآثاره على الفرد والمجتمع" صادر عن شعبة البحوث والدراسات – قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة
-------------------------
([1]) سورة الروم: 41.
([2]) سورة الحج: 46.
([3]) سورة مريم: 59.
([4]) المعجم الوسيط: مادة (غني) ج2 ص665 تأليف: إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار، نشر: دار الدعوة
([5]) القاموس المحيط ج3 ص 459، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي.
([6]) معجم لغة الفقهاء: ج1 ص325، تأليف: محمد رواس قلعجي.
([7]) الكافي: ج2، ص615.