هل قتل «شيعة الكوفة» الإمام الحسين (ع)؟!

كثيراً ما يطرح بعض الكتّاب والمنتقدين السؤال والشبهة التالية:

إنّ شيعة الكوفة من غدرهم، إنّهم دعوا الامام الحسين بن علي عليهما السلام برسائلهم ليكون إمامهم وقائدهم، إلّا انّهم غدروا به، فقتلوه وأهل بيته في واقعة الطف بكربلاء المقدّسة، وانخرطوا في معسكر يزيد بن معاوية، فهل كان الأمر كذلك؟

الجواب: أوّلاً إنّ المجتمع الكوفي آنذاك كان خليطاً غير متجانس، يحمل بين طيّاته ثقافات وآراء ومذاهب متفاوتة وربما متضاربة، يُكفّر البعض بعضاً لحداثة تأسيسها، وسرعان عمارتها بحوزات ومدارس علميّة وثقافيّة، وكونها دار الحكومة والخلافة لأمير المؤمنين علي عليه السلام لأوّل مرّة .

فاستوطنت الكوفة العاصمة آنذاك تيارات فكريّة وسياسيّة وعسكريّة تلعب دوراً في التأثير على مجريات الاُمور والوقائع والحوادث، وعلى النفوس والأفكار والآراء والمنطلقات والمعطيات والغايات، ومن أبرز التيارات في عصر الامام الحسين عليه السلام كما يلي:

الأوّل: الحزب الاموي ومن رجالاته عمر بن سعد وعمر بن حريث وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري وغيرهم من كبار الكوفة وأعيانها، ومن كان مع الحكومة ودار الخلافة الامويّة، فمن الطبيعي أن تدعمهم الدولة الامويّة في الشّام، وتفسح لهم المجال في نشاطهم الحزبي من كسب الساحة والساعة، وركوب الأمواج الّتي تعبّت في مصالحهم الشخصيّة والحزبيّة .

الثاني: الخوارج ومن رجالهم شمر ذي الجوشن، امتازوا بالعنف والإرهاب وعدم تفهّم الآخرين، ومن ليس لنا فهو علينا، ولابدّ من إزاحته وتصفيته جسديّاً أو سياسيّاً ومنطق (الحكم لله) وإن عليا قد كفر.

الثالث: البسطاء والسذج يمتازون بالشك والترديد، وانّهم يميلون مع كلّ ريح، وينعقون مع كلّ ناعق، فيتأثّرون تارة بأفكار الخوارج واُخرى بالحزب الاموي، فيتمطاهم الغير لمآربهم ومقاصدهم الشخصيّة أو الحزبية أو الفئويّة أو الطائفيّة.

الرابع: الحمراء وهم أبناء السبايا الفارسيّة ومن الكثرة بمكان حتّى كانت الكوفة تنسب إليهم وتسمّى بكوفة الحمراء، يحملون الحقد والكراهيّة والبغض لشيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام فاستعملهم ابن زياد لعنه الله لضرب شيعة علي عليه السلام وقتلهم وتشريدهم، وكان حضورهم فعّالاً في الجيش المحارب لسيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء وفي يوم عاشوراء.

الخامس: شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان لهم الثقل الكبير في حوادث الكوفة ورجالاتهم تملأ العين والقلب كحبيب بن مظاهر الأسدي وحجر بن عدي.

فعند دخول مسلم بن عقيل سلام الله عليه الكوفة كانت الساحة والشارع للشيعة والحزب العلوي إن صحّ التعبير، إلّا انّه بعد دخول عبيدالله بن زياد ابن أبيه الكوفة انقلب الأمر، وتعاضدت التيارات الأربعة ضدّ التيار الشيعي أنذاك، وجراء الإعلام المضاد، وتخاذل أهل الكوفة، واستحواذ الشيطان على جمع من رجالهم وأعيانهم، وحبّ الدنيا الذي يعمي ويصم، والجبن والخوف والرعب من الجيش الاموي الموهوم الذي أشيع عنه أنه في طريقه إلى الكوفة، أدّى إلى شهادة مسلم وهاني بن عروة رضوان الله تعالى عليهما ومن ثمّ وقوع حادثة الطف الأليمة التي بكتها السماء والأرض وما فيها.

خطة عبيد الله بن زياد

أجرى عبيدالله بن زياد عند دخوله قصر الامارة في الكوفة خطّة أمنيّة وعسكريّة وسياسيّة مشدّدة كوضع العيون والجواسيس على الموالين والمتحمّسين لقدوم الامام الحسين عليه السلام، وسجن أعيانهم وقتل رجالاتهم، كصلبهم على أبوابهم، ليلقى الرعب والخوف والوحشة في قلوب أهالي الكوفة، ليحسب كلّ واحد حسابه، وغلّق أبواب الكوفة ليحجم دائرة الثوّار وتشكّلاتهم في الكوفة وفي الخارج، وقطع أيادي العون المادي والمعنوي والمالي لانتصار الثورة والنهضة التي أشعل فتيلتها قدوم مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين عليه السلام إلى الكوفة .

إلصاق تهمة الخذلان بشيعة الكوفة

إلصاق هذه التهمة (خذلان الشيعة عن نصرة إمامهم الحسين عليه السلام) بشيعة الكوفة إنّما كان من الإعلام الاُموي المضاد آنذاك، ولازالت هذه النعرة الامويّة يتمنطق بها أبناء القوم على مرّ القرون والأحقاب، وكم لهم من قبل مثل هذا الإعلام الاموي المقيت حتّى في شهادة أمير المؤمنين علي عليه السلام، قالوا كيف قتل في المحراب، فهل كان يصلّي حتّى يقتل في محرابه؟!! أو قالوا بكفر أبيه أبي طالب رضوان الله تعالى عليه، وما شابه ذلك من الاشاعات ضدّ أمير المؤمنين علي عليه السلام وشيعته، فالسلطة الامويّة تشوّه كلّ من ينتمي إلى الامام علي عليه السلام ومنه تشويه شيعة علي في الكوفة في عصر الامام الحسين عليه السلام، وإلّا فان أكثر من كان في معسكر الامام الحسين عليه السلام من أصحابه الكرام، كان من أهل الكوفة كحبيب بن مظاهر الأسدي رضوان الله تعالى عليه، وبهذا التحليل التاريخي كيف يتهم شيعة الكوفة بقتل امامهم؟!  أليس هذا من الاعلام المضاد ومن دسائس بني اُميّة وشيعة بنى سفيان ومن تبعهم كالوهابية الإرهابية إلى يومنا هذا؟!

شيعة آل أبي سفيان هم من قتل الحسين (ع)

عند رجوعنا إلى النصوص الواردة عن سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام نكشف من خلالها أنّ من قاتله ليس منم شيعته أو شيعة أبيه، بل هم من شيعة آل أبي سفيان ومن أعداء أمير المؤمنين علي عليه السلام واكتفى شاهدا بنصين:

الأوّل: جاء في مقتل الحسين عليه السلام لأبي مخنف: 132 وينابيع المودة: 416 ومعالى السبطين: 2 12 وناسخ التواريخ: 2 376 عنهم: موسوعة كلمات الإمام الحسين 7: 492.

"ثم دنا من القوم ـ في يوم عاشوراء وفي أرض كربلاء ـ وقال: يا ويلكم على مَ تقاتلوني، على حقّ تركته فأم على سنَّةِ غيرتّها، أم على شريعة بدّلتها (أم على جرم فعلته)؟

فقالوا: بل نقاتلك بغضاً منّا لأبيك، وما فعل بأشياخنا يوم بدر و حنين، فلما سمع كلامهم بكى وجعل يقول:

كَفَر القوم وقدمآ رغبوا     عن ثواب الله ربّ الثقلين

قتل القوم عليآ وأبنه     حسن الخير كريم الطرفين

حنفآ منهم وقالوا أحملوا     احشروا الناس إلى حرب الحسين

يالقوم من أناس رذّلٍ     جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم     باحتياجي لرضاء الملحّدين

لم يخافوا الله في سفک وحي     لعبيد الله نسل الكافرين

وأبن سعد قدر ماني عنوةً     بجنود كوكوفه الهاطلين

لا لشيء كان من قبل ذا     غير فخرى بضياء الفرقدين

بعلي الخير من بعد النبي     والنبي القرشي الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي     ثم اُمّي فأنا ابن الخيرتين

إلى آخر ما قاله عليه السلام.

الثاني: لمّا هجم عليه القوم أربعة آلاف من الرماة يرمونه بالسّهام فحال بينه وبين رحله، ـ خيامه ـ فضاج بهم: «ويحكم يا شيعة ال أبي سفيان!  إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارآ في ديناكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربآ كما تزعمون »[1] .

فمع هذين النصين هل يحقّ لأمثال الوهابيّة ومن ضلّ عن سبيل الله ولم يتورع في التهمة والكذب والافتراء على الآخرين أن يتّهم شيعة علي عليه السلام يقتل ولده الحسين عليه السلام؟!! أم في قلوب القوم مرض فزادهم الله مرضا، وأعدّ لهم في الآخرة عذابا مهينا، والمؤمنون الموالون في الجنات يقولون: أن الحمد لله ربّ العالمين .

[1] مقتل الحسين الخوارزمي: 2 33 واللهوف: 119 والبداية والنهاية: 8 203 وبحارالأنوار:45 51 والعوالم:: 17 293 واعيان الشيعة:: 1 609 والدمعة الساكبة:: 4 343 عنهمموسوعة كلمات الحسين 7: 504.