شعيرة «التطبير» والصدام المستعر!

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع "الأئمة الإثني عشر".

«ولَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ»

الحديث عن هذا الموضوع طويل ولم افكر لحظة في ان اخوض فيه أو أدعو لهكذا ممارسات او انتصر لها ولكنها همسة في اذن المثقفين من الذين لا يطل علينا شهر المحرم حتى نراهم وقد اوقدوا للاحتجاج نارا يصل لهيبها الى عنان السماء ..

التطبير ليس سببا للتخلف فللتخلف عوامله السياسية والاقتصادية ولو كان سببا لكان العراقيون الان في موقع متقدم حضاريا بعد 20عاما من منع النظام البائد لعموم لشعائر الحسينية, وهي ممارسة موجودة عند الكثير من الشعوب في العالم كجزء من مثيولوجيتها او طقوسها الدينية بغض النظر عن رصيد تلك الشعوب الحضاري .. كالكريسماس في اغلب دول الغرب ويوم الخصوبة في اليابان حيث يطوف الالاف من الناس نساء ورجالا الشارع وهم يحملون مجسمات من الفلين للعضو الذكري ويوم الخوف في البرازيل حيث يرتدي الالاف اقنعة مخيفة ويجوبون الشوارع وغيرها و لايمكن ان نقول عن هذه الدول انها متخلفة.

أضف الى اصرار اولئك المثقفين على جعل النموذج الغربي معيارا للحضارة وكأن الغرب بقعة سماوية لا يطأها غير الملائكة.. الشارع الغربي مسرح دائم لجريمة القتل ومشاهد العنف وحرب العصابات المخيفة .. مراهنات المصارعة الحرة التي تدر على منظميها ارباحا طائلة من انثيال آلاف الغربيين على هذا اللون من الرياضة سواء بالحضور الفعلي للصالات المخصصة لها او على مواقع الانترنت, ولا أظن إنني بحاجة الى الاشارة للشبه البالغ بين الصورة المرفقة واي صورة تمثل ظاهرة التطبير, واذا كان للتطبير دور في بث روح العنف في اجيالنا فلن يكون كتأثير المحطات الفضائية التي لا تنفك عن بث افلام الرعب بمشاهد العنف والدم المقزز والتي تنتجها هوليود.

هؤلاء المثقفون من كان يريد استعراض عضلاته الثقافية فهو اقل من ان اتحدث اليه ومن كان حريصا على الاصلاح فقد ضل الطريق, لقد نسي ان التفاوت في الوعي والقدرة على الاكتساب الثقافي هي من صميم الطبيعة البشرية .. ومن اللامعقول ان نطالب العوام اصحاب الحرف ان يفهموا ثورة الحسين ع كما يفهمها العلماء والمفكرون .. ان خطابه المتعالي لم يؤدِ ـ على الواقع العملي ـ الا لحالة من القطيعة بينه وبين العوام الذين ينوي اصلاحهم والى حالة من الندية والتخندق.. العامي صار مستفزا سلفا من ذلك الخطاب واعتبره لا يمثل غير حالة مناهضة للحسين ع وخطة للتآمر على التشيع ومظاهر الولاء بعد ان يعتبر ما يقوم به ـ في حدود منظومته الفكرية ـ يمثل الذروة في الانتماء .. وإذا اعتقد المثقف انه انما يؤدي دوره التنويري بأمانة والمفروض من العامي ان يتجاوز حدود وعيه من تلقاء نفسه ليرتقى الدرجة التي تمكنه من تفهم خطابه التنويري فهو هنا يقع في خطأ كبير. لن يكون المثقفون في أي حال من الاحوال افضل من الانبياء الذين هجروا صوامع علياءهم وبذلوا الغالي والنفيس في النزول الى مستوى العامة وتبليغهم ما يردهم مورد الاصلاح بخطاب يفهمونه.. العامي يدافع عن سلوكه بانه تجسيد لصورة تعبر عن استعداده التام لبذل الدم في نصرة الحسين ع والمثقف يطعن في مصداقيته وهنا لا يسعني الا تذكر قول السيد المسيح ع (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها) ..أظن ان على المثقفين اذا كانوا حريصين بالفعل على الاصلاح الذي اتصور انهم يقصدون به (ان الحسين ع فكر عملاق وقيم فاضلة واحياء ذكراه يتمثل في الارتقاء لذلك الفكر وتطبيق تلك القيم) ان يبتعدوا عن أي خطاب مضاد للشعائر لا يؤدي الا الى الاستفزاز والقطيعة ليخلق لنفسه منفذا يصل به الى اسماع اولئك العوام ليمرر بعد ذلك خطابه التثقيفي في التذكير بهذه القيم وضرورة التقيد بها فإذا ما تم له ذلك وأدى خطابه الى تأثير ايجابي فيهم فان هذا التأثير سيكون عاملا مهما في طرد الظواهر السلبية.. ولهم في الائمة الاطهار أسوة حسنة حين احجموا ع عن أي مواجهة فعلية للحكام الجائرين ليمرروا بذلك تراثهم الفكري والعلمي والاخلاقي الذي فعل فعله الايجابي المطلوب في الامة الاسلامية.

ولا أغفل نقطة مهمة وهي ان المثقف الذي يعلن الجهاد المقدس على انصاف المثقفين والمتاجرين بقضية الحسين ع بإصراره على منهج الصدام المؤدي الى حالة النفور بشكل حتمي إنما يؤدي لهؤلاء المتاجرين خدمة عظيمة حيث يخلي لهم الساحة .