هل هناك من يلتقي بـ «الإمام المهدي» (ع)؟

لنا أن نتسائل هذا السؤال، وهو: هل أن العلاقة بين المؤمنين الموالين لأهل البيت (ص)، وبين امام زمانهم (عج) مقطوعة بطبيعتها أم موصولة؟ إن هذه الجدلية ليست نزاعا بقدر ما هي ميزان لطبيعة هذه العلاقة.

وأحد طرق الارتباط هو الارتباط القلبي والفكري وليس فقط الحسـي العيني فهو لا ينحصر بالنوع الثاني، وقد نقل عن الكثير من الأعلام أنه لدى بعض علماء الامامية الحظوة والارتباط مع صاحب العصر والزمان (عج)، وهذا الارتباط ليس بالضـرورة أن يكون جغرافياً، مثيل السلطان الذي يحكم بلداً كبيراً ترى بعض الوزراء والقادة لا تكاد الناس تراهم، ولكن مع ذلك هم من يدير تلك المملكة ويسير شؤونها لأن الجغرافيا لا تحدد دائماً طبيعة العلاقة.

والتوقيع الوارد عن صاحب العصـر والزمان (عج) الى السفير الرابع علي بن محمد السمري، والمقطوع بصدوره عند الطائفة يحدد هذه العلاقة، فقد ورد في التوقيع المبارك :" بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة)، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عز وجل)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم[1]".

نوع العلاقة موجود بعدة ألسن سواء في دعاء الندبة او الزيارات الكثيرة الأخرى الواردة بحقه (عج): " السلام عليك أَيها العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمةُ الواسعَة وعداً غير مَكْذُوب[2]".

فالغوث يعني ان تتمسك به لكي يغيثك، وكذلك دعاء الفرج ودعاء المؤمنين له، وكذلك الكثير من الروايات عن آبائه بالتشديد وضرورة التمسك به (عج).

فعن يونس بن عبد الرحمن قال : دخلت على الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فقلت: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ قال: أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه, يرتد فيها اقوام ويثبت فيها آخرون، ثم قال (ع): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من اعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة[3]).

فالثبات هنا هو ثبات سياسي وعقائدي وعسكري أمني.

اذن هنا لسانان للعلاقة مع صاحب العصر والزمان وليس بينهما تناقض أو تنافي، بل هما يحددان ميزان العلاقة بالإمام المهدي (عج)، أحدهما يدعي أن له صفة رسمية في الارتباط مع صاحب العصـر والزمان وهذا امر باطل، فمن يدعي الارتباط الرسمي بعد السفير الرابع فهو مارق عن الدين وكاذب ومنحرف عن الصـراط المستقيم حسب الضرورة وتسالم أعلام الطائفة قدس الله أرواحهم.

هذا النمط من الارتباط الباطل لفترة محدودة، وهو حسب التوقيع الشريف الى زمان خروج السفياني والصيحة التي سيسمعها كل إنسان بلغته، وهي نهاية الغيبة الكبرى وبداية الظهور الأصغر وهو بحسب بعض الروايات سيستمر لستة أشهر وسيكون له نواب خاصين.

اما النيابة العامة فهي دور الفقهاء ونيابتهم في زمن الغيبة الكبرى، وهي مذكورة في القرآن الكريم وفي مرويات أهل البيت (ع).

في نص القرآن الكريم قوله تعالى:

(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء[4])

فالأحبار هم الفقهاء، وكذلك الحديث الوارد عن صاحب العـصر والزمان (عج) :" وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم[5]". 

نوع الارتباط بالإمام (عج)

من وظائف المؤمن هو شدة الارتباط بالإمام المهدي (عج): " هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى، ...عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى[6]".

بغض النظر عما إذا كان الانسان صادقاً أو كاذباً في ادعائه "عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى" فالإمام لا يستطيع أن يكشف هويته، لعدم وجود القوة التي تحميه من بطش الأعداء في الـشرق والغرب!، فالاتصال بصاحب العـصر والزمان (عج) ليس بدرجة الانقطاع التام، لأن هذا جحود وإنكار لأصل إمامة الامام (ع).

وإذا كان الشخص يعتقد ان صاحب العصـر والزمان حي يرزق ويدبر الامور العامة للبشر لكن طريق الارتباط به منقطعة تماما، هذا أيضاً درجة من درجات جحد امامته (عج).

والصحيح لا هو انقطاع تام بمعنى الجحود والانكار له (عج)، ولا هو وصال تام بمعنى السفارة والوساطة الرسمية، فهذا في منهاج مدرسة اهل البيت (ع) هو الاخر باطل.

وقد عقد الشيخ الكليني رحمه الله لهذه المسألة جملة من الأبواب في اصول الكافي، وكذلك  الصدوق في كمال الدين، والطوسي في الغيبة، والنعماني تلميذ الكليني أيضاً في كتاب الغيبة، وكذلك الشيخ المفيد، والسيد المرتضـى، والسيد بن طاووس، كل هؤلاء الاعلام وغيرهم، فقد كان عندهم إصرار كبير على تثبيت التشـرف بالرؤيا مع إبطال السفارة والنيابة الخاصة لمن يدعيها في الغيبة الكبرى.

فهم يصرون على إبطال المشاهدة والوساطة الرسمية وفي الوقت ذاته يصـرون على وقوع الرؤيا أي الاصرار على عدم الانقطاع التام.

فيتضح أن هذا هو مسلك علماء الامامية وهي الوسطية في العلاقة مع الامام المهدي (عج).

- المصدر: موقع محمد بن الحسن المهدي

[1] الصدوق، كمال الدين، ج2، ص516. والطوسي، الغيبة، ص243،242.

[2] مقطع من زيارة آل ياسين.

[3] الصدوق، كمال الدين: ص ٣٦١ ب ٣٤ ح ٥

[4] المائدة، 44.

[5] كمال الدين وإتمام النعمة، ص484، ب45

[6] مقطع من دعاء الندبة.