كيف نستعد لاستقبال شهر رمضان؟

يطلّ علينا بعد أيّام هلال شهر رمضان المبارك ومن ينظر إلى مجتمعنا يجد أنّ كلّ فرد من أفراده بدأ في الاستعداد لهذا الشهر الفضيل بحسب ما يقتضيه حاله: فأصحاب المحلّات التجاريّة بدأوا بتقديم العروض المغرية، وأصحاب الحملات عرضوا رحلاتهم لهذا الشهر، والعائلات قد سبقت الكل بشراء مستلزمات هذا الشهر وتجهيز البيوت لاستقبال هذا الضيف العزيز.

لكنّ السؤال الجوهري: كيف يستعدّ المؤمن للاستقبال هذا الشهر؟

وماهي طريقة الاستعداد المجدية التي ترضي الله ورسوله وأهل بيته الكرام؟

عندما نقرأ الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام نجد أنّهم بيّنوا لنا الطريقة المثلى للاستعداد لاستقبال شهر رمضان المعظّم حيث ورد في الرواية أنّ أبا الصلت الهروي دخل على الإمام الرضا عليه السلام في آخر جمعة من شهر شعبان –يعني في مثل هذا اليوم- فقدّم له الإمام برنامجا متكاملا للاستعداد لشهر الصيام:

تعظيم شعبان:

إنّ أوّل خطوة لاستقبال شهر رمضان المبارك هي تعظيم شهر شعبان والإكثار فيه من الطاعات، ولذلك بدأ الإمام عليه السلام نصيحته بقوله: يا أبا الصلت إنّ شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه.

ولعلّ سبب التأكيد على أهميّة تعظيم هذا الشهر هو ارتباطه بنبي الرحمة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث نقرأ في الصلوات الشعبانيّة: "وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعا لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حمامه، فأعنا علي الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه".

 فتعظيم هذا الشعر تعظيم لرسول الله صلوات الله عليه وآله والتقصير في هذا الشهر هو تقصير في حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله، وهنا تكمن العلاقة بين الشهرين إذ إنّ شهر رمضان هو شهر الضيافة الإلهيّة فهل يمكن أن يدخل الإنسان لضيافة الله وقد قصّر في حقّ حبيبه المصطفى؟

 إصلاح ما بينك وبين الله:

الخطوة الثانية لاستقبال شهر رمضان هي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين ربّه، فشهر رمضان شهر الرحمة الإلهيّة التي وسعت كلّ شيء وقد فصّل النبي صلى الله عليه وآله في خطبته معالم هذه الرحمة فقال: "أيها الناس إنّه أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وشهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عباده وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب".

وهذا الفيض الإلهي المتصل لابدّ له من الوعاء المناسب الذي يحويه فالماء الطاهر لا يمكن سكبه في الكأس المتسخ، وكذلك نفس الإنسان فإنّها لا يمكن أن تكون وعاء لهذه الرحمة الإلهيّة العظيمة دون أن تتطهّر من أدران المعصية وظلمة الذنوب، ولذلك فإنّ الإمام عليه السلام أوصى أبا الصلت بأن يقوم بعمليّة تطهير وتزكية للنفس:  وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل.

إصلاح ما بينك وبين الناس:

الخطوة الثالثة هي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين أخيه الإنسان، يقول الرضا عليه السلام: "ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلّا أدّيتها ولا في قلبك حقدا على مؤمن إلّا نزعته"، وهذه الكلمة للإمام عليه تشير إلى حقيقة مهمّة جدّا وهي أنّه لا يمكن أن تنصلح علاقة الإنسان بربّه ما لم تنصلح مع عامّة الناس!

فالذي يؤذي الناس لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

والذي يأكل أمول الناس بالباطل لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

والذي يضيع حقوق الناس صغارا وكبارا لا يمكن أن يكون قريبا من الله!

فالناس عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله كما ورد في الحديث النبوي والعكس صحيح، فإنّ أكثرهم إيذاء للناس أبعدهم عن الله، والعجيب من البعض كيف يدخل عليه الشهر الكريم وقد سبّ هذا وشتم هذا وآذى هذا ثم يلقى الله بهذه الأعمال ويطلب منه الرحمة؟! أو يكون قلبه مليئا بالحقد والغلّ والكراهة ويريد من الله أن يحبّه ويرحمه؟!

ختم الإمام الرضا عليه السلام إرشاده لأبي الصلت الهروي بأمرين:

النصيحة الذهبيّة:

قدّم الإمام الرضا عليه السلام نصيحة ذهبيّة لأبي الصلت حيث قال: "وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك"، أي لا تشغل نفسك في هذه الأيّام إلّا بالشيء الذي فيه مصلحة لدينك ودنياك أمّا سواه فلا تشغل نفسك فيه فإنّ أثمن شيء يملكه الإنسان عمره!

ولو نظرنا لأحوالنا في هذه المواسم المقدّسة لرأيت أنّنا نضيّع أوقاتنا في أشياء لا طائل منها: فالبعض يجلس بالساعات الطويلة على شاشات التلفاز والآخر على شاشة الجوال والآخر يعتبر هذا الشهر موسما للنوم الطويل وهكذا..

دعاء الإمام المأثور: ختم الإمام عليه السلام توجيهه لأبي الصلت بهذا الدعاء: وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر " اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا في ما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه" فإنّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقابا من النار لحرمة شهر رمضان.

المصدر: موقع الشيخ أحمد السلمان