لماذا أخذ الحسين (ع) النساء والأطفال إلى كربلاء؟!

إن قلت: إنّه لم يكن يعرف ما سيحصل لهم، سأقول لك: لقد نسفت العصمة التي تقول: إنّ الحسين يعلم الغيب. وإن قلت: إنّه يعلم، فسأقول لك: هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟!

وإن قلت: إنّ الحسين خرج لينقذ الإسلام، فسأقول لك: وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟! وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟! ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟!

فإمّا أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى علي بهم، أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام؟!

هذه الأسئلة وردت على ما يبدو من أحد المخالفين المتعصّبين!

الجواب من السيد جعفر مرتضى العاملي (ره):

أوّلاً: إن ما ورد في السؤال، من أنّ العصمة تقتضي علم الغيب، لا يصحّ، بل هي تقتضي العمل بالتكليف الشرعي، وعدم الخطأ في تطبيقه، وعدم إهماله ونسيانه.

ثانياً: إنّ السائل نفسه يقول: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان معصوماً، ويقول عن نفسه: إنّه يعتقد بالقرآن الذي يقول عنه صلّى الله عليه وآله: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (۱).

ولنا أن نقول أيضاً: إنّ هذا السائل يعتقد: بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله قد أخبر بكثير من الغيوب التي تحقّقت، ومنها: أنّ عليّاً عليه السلام سيقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وان عائشة ستخرج على علي عليه السلام ظالمة له، وأنّها ستنبحها كلاب الحوأب.

ونضيف هنا أيضاً: أنّكم قد رويتم في كثيرٍ من مصادركم الأساسيّة: أنّه صلّى الله عليه وآله قد أخبر بقتل الإمام الحسين في كربلاء، وبكى عليه، وأودع لدى أمّ سلمة قارورةً فيها من تراب كربلاء، وقال لها: إنّها إن فاضت دماً، فلتعلم أن الحسين قد قتل (۲).

ثالثاً: إذا كان الحسين يعلم بأنّه سيقتل في كربلاء، وهو يمارس وظيفته الشرعيّة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك لا يمنعه من القيام بما أوجبه الله عليه من الذهاب إلى تلك البقعة.

كما أنّ علم إبراهيم خليل الله بأنّه سيواجه القتل إذا حطم الأصنام للنمرود، لم يمنعه من فعل ذلك. وعلم الأنبياء كلّهم بما سيواجهونه من مصائب وبلايا وأخطار لا يجعلهم يتخلّون عن واجبهم، والجلوس في زوايا بيوتهم، أو الهروب من مسؤليّاتهم.

وكان الرسول صلّى الله عليه وآله يعلم أيضاً بما سيواجهه به المشركون، وكان يرى ما يفعلونه بأصحابه من تعذيبٍ إلى حدّ الموت، ولكنّه كان يأمرهم بالصبر، ويقول لعمّار وأبيه وأمّه: « صبراً يا آل ياسر » (۳).

فلماذا لم يتخلّوا عن دينهم، أو عن صلاتهم، وصومهم على الأقلّ، ليتخلّصوا من الموت الذي طال حتّى النساء منهم، حيث ماتت والدة عمّار تحت التعذيب؟!

وإذا كان لا بدّ من حمل النساء والأطفال مع الحسين عليه السلام إلى كربلاء، لكي يقع عليهم السبي أو القتل، وليمنع ذلك من إثارة الشبهات والشكوك حول ما جرى له عليه السلام، ويضيع بذلك دمه، ولا ينتفع به الإسلام والمسلمون. حين يدعي بنو أميّة ومحبّوهم :

أنّ الحسين قد قتل بيد اللصوص، أو افترسته الوحوش، أو ما إلى ذلك.

نعم.. إنّه حين يكون المطلوب هو حفظ الإسلام بهذا الدم، وبهذا السبي، فهل سيبخل الحسين بذلك، ويمتنع من حملهم معه إلى كربلاء، ويحفظ بهم الإسلام والدين؟!

ومن يجود بدمه في سبيل دينه، هل سيبخل بما هو دونه؟! إن احتاج الإسلام إليه؟!

وهل سيكون آل ياسر الذين تعرضت نساؤهم للتعذيب والقتل أسخى على الدين من الحسين عليه السلام ..

رابعاً: إنّ الإسلام لم ينحرف، ولا يمكن أن ينحرف في يومٍ من الأيّام، بل كان فريق من الناس ممّن يدعي الإسلام هم الذين ينحرفون عنه، ويعملون على صدّ الناس عن الدخول فيه، أو عن العمل والالتزام بأحكامه.

خامساً: إنّ حال الناس في مدى التزامهم بالإسلام يختلف ويتفاوت من عصر لعصر ومن وقت لآخر ..

كما أن سبل هدايتهم، وصيانة دينهم، وحفظ يقينهم، وما يؤثر في سلامة مسيرتهم تختلف وتتفاوت وتخضع للظروف، وللقدرات وللإمكانات، اختلاف الحالات، فقد يكفي فيه مجرّد التعليم والإرشاد، وقد يحتاج إلى ممارسة بعض الشدّة في الزجر عن المنكر، والتشدّد في فرض المعروف.. وربّما بلغ الانحراف عن خط الاستقامة حدّاً يحتاج فيه تصحيح المسار إلى درجات أشدّ من الكفاح، وإلى الجهاد واستعمال السلاح وخوض اللجج وبذل الأرواح والمهج.

وهذا ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله بالذات، فقد مارس من أساليب الدعوة إلى الله في كلّ حين ما توفّر لديه، وسمحت به الظروف، واقتضته الأحوال، فما احتاج اليه وتوفّر لديه واستفاد منه في مكّة قد اختلف عمّا احتاج إليه وتوفّر لديه واستفاد منه في المدينة، وما مارسه في صلح الحديبيّة اختلف عمّا مارسه في فتح مكّة، واختلف هذا وذاك مع ما كان في بدر وأحد وحنين.

سادساً: هل يستطيع مسلم أن يساوي بين عهد يزيد وبين ممارسات يزيد، وبين عهد أبي يكر وممارسات أبي بكر؟! أو بينه وبين عمر ابن الخطاب؟! أو بين يزيد وبين علي عليه السلام في سيرته وممارساته؟!

بل إنّك لا تستطيع أن تساوي حتّى بين أبي بكر وعثمان، في سيرتهما، وفي طريقتهما، فهل تساوي بين يزيد وعهده وبينهم وبين عهدهم؟!

الهوامش

۱. الآية ۱۸۸ من سورة الأعراف.

۲. راجع: تاريخ اليعقوبي ج ۲ ص ۲٤٥ و ۲٤٦ والمعجم الكبير للطبراني ج ۳ ص ۱۰۸ وتاريخ مدينة دمشق ج ۱٤ ص ۱۹۳ وكفاية الطالب ص ۲۷۹ وتهذيب الكمال ج ٦ ص ٤۰۸ ومقتل الحسين للخوازمي ص ۱۷۰ و ط مطبعة الزهراء ج ۲ ص ۹٦ ونظم درر السمطين ص ۲۱٥ والكامل في التاريخ ج ٤ ص ۹۳ والوافي بالوفيات ج ۱۲ ص ۲٦۳ وإمتاع الأسماع ج ۱۲ ص ۲۳۸ وج ۱٤ ص ۱٤٦ وترجمة الإمام الحسين عليه السلام لابن عساكر ص ۲٥۱ و ۲٥۲ ومعارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرندي الشافعي ص ۹۳ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ۳۲٤ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ۸۳ وذخائر العقبى ص ۱٤۷ وطرح التثريب ج ۱ ص ٤۲ ومجمع الزوائد ج ۹ ص ۱۸۹ وينابيع المودة ج ۳ ص ۱۱ و ۱۲ والمواهب اللدنية ص ۱۹٥ والخصائص الكبرى للسيوطي ج ۲ ص ۱۲٥ وجوهرة الكلام ص ۱۲۰ ومأتم الحسين أو سيرتنا وسنّتنا للعلامة الأميني ط سنة ۱٤۲۸ هـ ص ۹۰ عن مصادر كثير.

۳. المستدرك للحاكم ج ۳ ص ۳۸۳ والإصابة ج ٦ ص ٥۰۰ وج ۸ ص ۱۹۰ والإستيعاب ج ٤ ص ۱٥۸۹ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ۲۰ ص ۳٦ وكنز العمال ج ۱۱ ص ۷۲۸ والدرجات الرفيعة ص ۲٥٦ و ۲٦۰ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص ۹۸ والمناقب للخوارزمي ص ۲۳٤ والسيرة الحلبية ج ۱ ص ٤۸۳.