هل تعرف كيف تُقيّد الشياطين في شهر رمضان؟

شهر رمضان المبارك يعتبر فرصة وتدارك لما فات من برود للعلاقة بين الإنسان وربه، ومن نعم الله تعالى على العباد، أن الشياطين مصفدة (مغلولة) في هذا الشهر الفضيل مما يعني عودة حقيقية الى تعميق العلاقة وتقويتها بين العبد وخالقه.

وقد دلت مجموعة من الروايات المباركة على هذه الحقيقة نذكر منها المجموعة التالية:

عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله في أول يوم من شهر رمضان تغل مردة الشياطين.

وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ السَّبْعَةُ وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ.

وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادى الجليل تبارك وتعالى رضوان خازن الجنة فيقول يا رضوان فيقول لبيك ربي وسعديك فيقول نجد جنتي وزينها للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم قال ثم يقول يا مالك فيقول لبيك ربي وسعديك فيقول أغلق الجحيم عن الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ولا تفتحها عليهم حتى ينقضي شهرهم ثم يقول لجبرئيل يا جبرئيل فيقول لبيك ربي وسعديك فيقول أنزل على الأرض فغل فيها مردة الشياطين حتى لا يفسدوا على عبادي صومهم.

وغير هذه النصوص التي لو قمنا بإحصائها طال بنا المقام، لكن ما ينبغي التركيز عليه وهو ماذا يقصد بأن الشياطين تكون مغلولة في شهر رمضان؟

في البداية لا بد أن نعرف أن الشياطين ليست من جنس الماديات حتى تغل (تقيد) فإذا عرفنا هذا تحصل عندنا أن هذا المعنى يطلق عليه تشبيه المعقول بالمحسوس لأن البشر لا يمكنه أن يتعامل مع غير الماديات وحتى تتضح عنده الصورة تشبه الأشياء الماورائية (ما وراء المادة) بالأشياء المادية كتشبيه الملائكة بأنها ذات أجنحة وغير ذلك.

إذا اتضح ذلك أقول يحتمل من تقييد الشيطان في شهر رمضان عدة احتمالات كل واحد منها له وجه:

منعهم عن التسلط

1 ـ إن الإنسان مركب من مزيج قوى وهي الشهوية والغضبية والعاقلة والخيالية، فمعنى أن الشياطين مغلولة هو أن القوى العقلية تكون ناشطة في شهر رمضان على حساب بقية القوى بفضل تلاوة القرآن الكريم والأدعية.

يقول العلامة المجلسي في كتابه مرآة العقول شارحاً هذا المعنى: "كناية عن منعهم عن التسلط على المؤمنين والمخالفات الحاصلة في شهر رمضان إما عن غير المردة منهم، وإما من النفس الأمارة بالسوء، أو كناية عن أن بالصوم تنكسر القوي الشهوانية وتقوى القوة العاقلة".

ممنوعون من الحسد

2 ـ عدم تسليط الشياطين على الناس بمعنى أنهم ممنوعون من حسدهم على نعمة شهر رمضان قال السيد ابن طاووس في كتاب الإقبال: "قد سألني بعض أهل الدين فقال: إنني ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين لأنني أرى الحال التي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان كأنها على حالها ما نقصت بمنع أعوان الشيطان. فقلت له يحتمل أن الشياطين لو تركوا على حالهم في إطلاق العنان كانوا يحسدونكم على هذا شهر الصيام فيجتهدون في هلاككم مع الله جل جلاله، أو في الدنيا بغاية الإمكان فيكون الانتفاع بمنعهم من زيادات الأذيات والمضرات ودفعهم عما يعجز الإنسان عليه من المحذورات.

3 ـ وقد يكون المقصود من تقييد الشياطين لا عن مطلق البشر بل عن جماعة مخصوصين بحسب استحقاقهم من حيث العمل.

4 ـ أن يكون العبد له قبل شهر رمضان ذنوب قد سودت قلبه وعقله وصارت حجابا بينه وبين الله جل جلاله فلا يستبعد منه أن تكون ذنوبه السالفة كافية له في استمرار غفلته فلا يؤثر منع الشياطين عند الإنسان لعظيم مصيبته، ويمكن غير ذلك من الجواب وفي هذا كفاية لذوي الألباب.

5 ـ يحتمل أن يكون لكل شهر شياطين يختص به دون سائر الشهور، فيكون منع الشياطين في شهر رمضان يراد به شياطين هذا الشهر المذكور وغيرهم من الشياطين على حالهم مطلقين فيما يريدونه بالإنسان من الأمور فلذلك ما يظهر للإنسان سلامته من وسوسة الصدور.

وقد يعترض البعض بالقول إذا كان في شهر رمضان تقيد حركة الشياطين فكيف نرى بعض الناس يرتكب أنواع المحرمات في هذا الشهر الفضيل؟

الجواب يظهر مما تقدم ويمكن اختصاره بالقول:

أن الشياطين ليست مقيدة عن كافة الناس بل من كان ـ بحسب عمله ـ مستحقاً لأن لا يسلط عليه الشيطان.