التكافل الاجتماعي في رمضان: «تصدقوا» و «تحننوا» لتطفئوا غضب الرب

كثيرون يتصورون أن شهر رمضان المبارك هو شهر مخصص للاهتمام بالجانب الروحي فقط، حيث تعم أجواء الشهر الفضيل المحافل لتلاوة آيات الذكر الحكيم في أرجاء المعمورة إلى جانب قراءة بعض الأدعية، لكن هناك جنبة ينبغي تسليط الضوء عليها، وهي مسألة التكافل الاجتماعي في شهر رمضان المبارك، والمقصود بالتكافل الاجتماعي هو كون الأفراد في المجتمع يتشاركون في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، وكذلك الجانب الذي يعنى بدفع المفاسد والأضرار سواء كانت مادية أو معنوية، وهذا ما يولد عند كل من أفراد المجتمع الشعور أنهم بالإضافة إلى الحقوق الخاصة بهم، فإن عليهم واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس بمقدورهم أن يلبوا احتياجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهـم.

والملاحظ أن خطبة النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) قد احتوت على هذا المضمون في فقرات متعددة، حيث جاء في إحدى هذه الفقرات قوله "تصدَّقوا على فقرائكم و مساكينكم...".

فالمعروف أن الفقير هو من لا يملك قوت سنته والمسكين أتعس حالاً منه، فهو الذي لا يملك قوت يومه، ومن هنا ورد الحث النبوي على العناية بهذين الصنفين من الناس ـ وما اكثرهم في المجتمع ـ فكيف يوفق الإنسان بين حبه للثروة وبين تضحيته بها بلا مقابل في سبيل الناس؟ هذا التفكير هو عبارة عن عملية تغيير، وشهر رمضان يتكفل بذلك، فشهر رمضان لا يربي على الجوع والعطش فقط، بل يربينا على أن نشعر بحاجة المحرومين، وبحاجة المضطهدين والمظلومين، ويعلمنا على التضحية بما عندنا في سبيل إنعاش مجتمعاتنا، فشهر رمضان عبارة عن عملية تغيير لإحداث توازن بين الفئات المجتمعية التي تئن من الجوع والأخرى التي تئن من التخمة.

لقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع قال: وما من أهل قرية يبيت وفيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال - لأصحابه -: ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله، فقال: من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم، تطفئون بها غضب الرب.

ولو لاحظنا هذين الحديثين لوجدنا أن شهر رمضان المبارك هو فرصة ليس فقط لتصليح التقاطع بين العبد وربه من خلال الأدعية والتوسل، وإنما هو لمعالجة التفريط بحقوق الطبقات التي تعاني الأمرين في سبيل تحصيل لقمة العيش، حيث ورد في الحديث القدسي: "الفقراء عيالي، والأغنياء وكلائي، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا أبالي".

وهناك طبقة أخرى ورد ذكرها في الخطبة المباركة للنبي الأعظم (صلى الله عليه واله) وهم (الأيتام) حيث قال: "وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم....".

والتحنن هو الترحم والتعطف، فاليتيم إذا كان قد فقد أباه قد بلوغه فهذا ما سيعرضه الى معاناة ومآسي جمة، فأول ما سيفقده هو العطف والحنان الذي سيوفره له الأب لو قدر له العيش، ولذا ورد النص النبوي بصيغة الوجوب، فإذا كان مجرد التحنن والتعطف على الأيتام قد افرد له الخاتم (صلى الله عليه واله) شطراً من خطبته، فما ظنك بباقي إحتياجاتهم الأساسية التي لا أقل أن منها الأكل والشرب؟!

وخصوصاً في هذا الشهر الفضيل، حيث تزداد الاحتياجات وتكثر المتطلبات.

لقد ذكر الله تعالى هذه الفئة في كتابه الكريم 23 مرة وقد عاتب في بعضها من لا يعير لهم أي اهتمام بقوله: (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)

وكانت وصية أمير المؤمنين (سلام الله عليه) الأخيرة وهو مسجى على فراش الموت العناية بهذه الشريحة، حيث قال: "الله الله في الأيتام لا تغبوا[1] أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار".

أخيراً، هذه دعوة لتفعيل جنبة التكافل الاجتماعي -التي تتضمنها نفحات هذا الشهر المبارك- بين شرائح المجتمع لتحقيق أقل قدر من المساواة بينهم.

[1] اغبّ القوم: جاءهم يوماً وترك يوماً، أي صِلوا أفواههم بالإطعام ولا تقطعوه عنها.