هل قرأت من قبل هذا الموقف؟ الإمام الحسين وأخته زينب (ع) وحرارة الشمس!!

إن روابط المحبة، والعلاقات الودية بين الإخوة والأخوات كانت من قديم الزمان، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين، فيقال: كأنهما أخوان، أو كأنهما أخ وأخت.
ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب (عليهما السلام) كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا، لا نبالغ إذا قلنا، أنه لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب (سلام الله عليهما). فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة، والعلاقات القلبية.
وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا من شجرة واحدة؟!
ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة، وجلالة القدر وعظم الشأن.
فالسيدة زينب (عليها السلام) تعرف أخاها بأنه: سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كآية المباهلة، وآية المودة، وآية التطهير، وسورة «هل أتى»، وغيرها من الآيات والسور.
بالإضافة إلى أنها عاشت سنوات مع أخيها في بيت واحد، وشاهدت ما كان يتمتع به أخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عز وجل.
وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله).
مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه، كالعصمة، والعلم بجميع أنواع العلوم، وغير ذلك.
وهكذا يعرف الإمام الحسين (عليه السلام) أخته السيدة زينب (عليها السلام) حق المعرفة، ويعلم فصائلها وخصائصها.
ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته المكرمة (سلام الله عليهما).
وقد جاء في التاريخ: أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب (عليها السلام)، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده، كل ذلك احتراماً لها. 
بل أكثر من ذلك فقد نُقل إن الإمام الحسين (عليه السلام) زائر أخته الحوراء زينب (عليها السلام) في دارها فوجدها نائمة وقد نشرت الشمس أشعتها  على الحوراء الانسية، فما كان من الإمام الحسين (عليه السلام) الذي يأبى أن يرى أخته العقيلة تتأذى من حرارة الشمس، إلا أن يقف إلى جانبها ويرفع ردائه ليظلل لها عن حرارة الشمس، فبقي هذا الموقف مسجلاً في ذاكرة الحوراء تنتظر الحين بعد الآخر لتعيد ذلك المعروف إلى صاحبه، لكن شتان ما بين الموقفين، نعم لقد وقفت العقيلة (عليها السلام) على جسد أخيها وظللت له عن حرارة الشمس، لكن حينما كان ملقىً على رمضاء كربلاء..
فواحدة تحنو عليه تضمه وأخرى عليه بالرداء تظلل
وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها   وأخرى لما قد نالها ليس تعقل 
وقفت وهي بتلك الحال تشاهد من تبقى من أهل بيتها وقد أحاط به العتاة والأجلاف من كل جانب، كل يريد القصاص لما حل بعسكر أبي سفيان يوم بدر، وما كان منها إلا أن تقف ذات الموقف الذي وقفه أبوها (عليه السلام) في عظيم صبره، ولقد ضارعت الأنبياء في رباطة جأشها وتجلدها ولشدة إيمانها وانقطاعها إلى الله، فقد وقفت على جثمان شقيقها الذي مزّقته سيوف الشرك، وهو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)( ).
إنّ الإنسانية تنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السرّ في خلودها وخلود أخيها.
لقد تضرعت بطلة الإسلام بخشوع إلى الله تعالى أن يتقبّل ذلك القربان العظيم الذي هو ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
فأيّ إيمان يماثل هذا الإيمان؟!
وأيّ تبتّل إلى الله تعالى يضارع هذا التبتّل؟!
لقد أظهرت حفيدة الرسول بهذه الكلمات الخالدة معاني الوراثة النبوية، وأظهرت الواقع الإسلامي وأنارت السبيل أمام كلّ مصلح اجتماعي، وأنّ كلّ تضحية تُؤدّى للأمّة يجب أن تكون خالصة لوجه الله غير مشفوعة بأيّ غرض من أغراض الدنيا.
ومن عظيم إيمانها الذي يبهر العقول، ويحيّر الألباب أنّها أدّت صلاة الشكر إلى الله تعالى ليلة الحادي عشر من المحرّم على ما وفّق أخاها ووفّقها لخدمة الإسلام ورفع كلمة الله.
لقد أدّت الشكر في أقسى ليلة وأفجعها، والتي لم تمرّ مثلها على أيّ أحدٍ من بني الإنسان، فقد أحاطت بها المآسي التي تذوب من هولها الجبال، فالجثث الزواكي من أبناء الرسول (صلى الله عليه واله) وأصحابهم أمامها لا مغسّلين ولا مكفّنين، وخيام العلويات قد أحرقها الطغاة اللئام، وسلبوا ما على بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حُلي وما عندهنّ من أمتعة وهن يعجن بالبكاء لا يعرفن ماذا يجري عليهن من الأسر والعذاب إلى غير ذلك من المآسي التي أحاطت بحفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي تؤدي صلاة الشكر لله على هذه النعمة التي أضفاها عليها وعلى أخيها.
تدول الدول وتفنى الحضارات وهذا الإيمان العلوي أحقّ بالبقاء، وأجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش فيه.
---------
مقتطف من كتاب سفيرة الحسين (ع) - عن شعبة البحوث والدراسات