المرجعية العليا تدعو إلى الغضب المنضبط لأخذ «الحقوق» المسلوبة

إخوتي أخواتي ذكرنا فيما سبق بعض ما يتعلّق بمسألة الغضب -أرجو أن تعيروني أسماعكم-، ذكرنا سابقاً الآثار السلبيّة التي تنتج من الغضب غير المبرّر وغير المسيطر عليه، وقلنا في حينه وذكرنا بعض الأمثلة على ذلك، اليوم نذكر الآثار الإيجابيّة للغضب، وهل الغضب يُعين الإنسان على تحقيق مقاصده أو لا؟.

طبعاً الغضب من الأمور الغريزيّة، حتى ورد في الأحاديث الشريفة (لا خير في من لا يغضب إذا أُغضب)، تعبيرٌ جميل جدّاً (لا خير في من لا يغضب إذا أُغضب) وهذا الغضب من الأمور التي كانت في غريزة الإنسان وفي تكوينه، فهو تمرّ به حالات ينفعل فيها ويغضب، وهذا الغضب هو الذي حافظ على نوع الإنسان وحافظ على شخص الإنسان لأنّه بغضبه يحمي نفسه.

فإذا تعرّض لأمورٍ تستوجب منه الغضب يغضب، لكن هذا الغضب إذا أخرجه عن قصده وأخرجه عن لبّ عقله هذا يكون في الجانب الذي ذكرناه سابقاً وهو أنّه سيُنتج آثاراً سلبيّة والإنسان قد يندم عليها، لكن الإنسان إذا غضب وغضبه هذا نشأ من مشكلةٍ شخصيّة اجتماعيّة اقتصاديّة سياسيّة عسكريّة، وهذا الغضب أخرجه من بيته لأن يواجه هذه المشكلة، وكان هذا الغضب تحت السيطرة فهذا غضبٌ ممدوح.

وبالغضب حُصّنت البلاد وحُفظت الأراضي ومُنع تدنيس المقدّسات، لأنّ الإنسان عندما يغضب وهو يعلم لماذا يغضب ولماذا يذهب ويتفاعل ستكون النتائج نتائج إيجابيّة، وسيكون هذا الفعل فعلاً معلوم التصرّف والمنشأ ومعلوم الهدف من ألفه الى يائه، والنتيجة ماذا تكون؟ هذا الذي يغضب غضباً مسيطراً عليه لابُدّ أن يكون له لسان يعبّر عن ذلك، له مطلب يعبّر عن ذلك، وله حقّ أن يعبّر عن ذلك.

لماذا؟ -التفتوا- لأنّ الحقوق تؤخذ ولا تُعطى، الذي يسلب الحقّ بطبيعته هو سالبٌ للحقّ يريد أن تبقى يده يداً عادية يداً سالبة للحقّ، لكن على صاحب الحقّ أن يُطالب بالحقّ، فالحقوق تؤخذ وجزءٌ من إرجاع الحقّ أن الإنسان يغضب لسلبه حقّه، فإذا غضب لسلبه حقّه وكان هذا الغضب مسيطراً عليه ستكون حجّته قويّة وستكون حجّته دامغة وسيكون مطلبه واضحاً وستكون الحجّة له لا عليه.

ولذلك -إخواني- فإنّ مسألة الغضب مسألة مهمّة يحتاجها الإنسان للتعبير عمّا عنده، نعم الإنسان لا يغضب لكلّ شيء قطعاً، وإنّما يغضب -كما قلنا- الغضب الذي هو ناشئ من معرفة لماذا غضب؟ هناك مشكلة -قلت- سياسيّة اقتصاديّة اجتماعيّة ماليّة، وهذه المشكلة لاتُحلّ، لابُدّ أن يعبّر عن غضبه ولابُدّ أن يصرّح بقوله ولكن بشكلٍ مسيطر عليه لقاعدة أنّ الحقوق تؤخذ، فلابُدّ لمن يريد أن يسترجع حقّه أن يغضب غضباً تحت السيطرة، حجّةٌ قويّة ومطلبٌ واضح وإرادةٌ ناشئة من هذا التعقّل، هذا أحببت أن يقارن ما بين الغضب الذي ذكرناه وآثاره السلبيّة والمشاكل وما بين الغضب المطلوب المقرّر الذي به حُفظت البلاد وحُفظت الأرض وحُميت المقدّسات نتيجة هذا الاندفاع المتعقّل المنضبط.

أعاننا الله وإيّاكم على أن يكون غضبنا دائماً غضباً مسيطراً عليه، وغضباً فيه النتائج الطيّبة، نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

* النص الكامل للخطبة الثانية لصلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف اليوم الجمعة (20 ذي القعدة 1439هـ) الموافق لـ(3 آب 2018م)