كيف تختار «زوجة صالحة»؟

إن أهم ثمرة من ثمار العش الزوجي، الذرية الصالحة؛ لأنها مرتبطة بالأبدية.. وأما الاستمتاع، والانشغال بالجمال، والأنس الزوجي المتعارف، فله أمده، كما هو أمد كل متاع في الحياة الدنيا، فأمده إلى القبر وعالم البرزخ.. فالذي يبقى مع الإنسان في عالم البرزخ والقيامة، ما يتعلق بالذرية، كما ورد: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له).

فالعمل على تربية ولد صالح، يدعو للإنسان، لمن أفضل أنواع الاستثمار.. وقد يكون هذا الولد الصالح، على رأس سلسلة من الأولاد والأحفاد إلى يوم القيامة، فيكون صلاح الجد الأول، من موجبات صلاح الملايين من نسله.

وأما عن كيفية إعداد الأم لتربية أولاد صالحين، فإن هذا يكون من الأيام الأولى قبل اختيار الزوجة.. فالشاب الذي يريد الاقتران بفتاة، فينبغي أن يراعي عدة أمور، ومنها:

أولا: خلو المرأة من عناصر التوتر

إن من الضروري أن ينظر إلى منبت هذه الفتاة، أي إلى رحمها وتربيتها وثقافتها، فبعض صور انحراف الأولاد أو توتر الأولاد وعقوقهم، مترتب على حالة القسوة والعنف والتوتر في الأم.. فأنت عندما تقترن بامرأة في منتهى الجمال والمال، ولكنها امرأة غير مستقرة نفسيا، وعاشت اضطرابات في جوها الأسري مع الأبوين، فإن هذا التوتر سينتقل إلى البيئة الأسرية، إلى الزوج والأولاد.

ثانيا: خلو المرأة من حالات التمرد على الشريعة

إن بعض الشباب يقترن بفتاة غير ملتزمة بحجابها، بدعوى أنه سيغيرها ولو بعد حين، ثم يتفاجأ أنها امرأة لا تصلي ولا تصوم ولا تلتزم بالحجاب، وأنها امرأة متمردة على الشريعة.. ومن الطبيعي أن مثل هذه المرأة، التي لا يؤمن على دينها، لا يمكنها أن تكون حضنا مربيا لولد صالح.

ثالثا: أن تكون المرأة ذات نَفَس مبارك

إن هذا الكلام قد لا يعد علميا بالمعنى الدقيق، ولكنه واقع، وهو ما يعرف بالتأثير الروحي للبعض.. إن بعض الأشخاص عندما تعاشره، فنَفَسه نَفَس مرب، ووجوده مرب، فنور باطنه يؤثر فيما حوله؛ والعكس، فبعض الناس فيه ظلمة، وهذه الظلمة مؤثرة أيضا.. ومن اللطيف أنه حتى الطعام يكتسب نكهته من نَفَس الطابخ لهذا الطعام، فنَفَس المؤمنة الصالحة حتى يؤثر في الطعام الذي تطبخه.

فإذن، إن بعض أنفاس الأمهات، حقيقة أنفاس مباركة ومؤثرة في هذا المجال.

لكن هناك أبناء ينحرفون رغم وجود الأجواء الصالحة... لماذا؟

إن التربية الصالحة والمنبت الصالح، ليست بعنوان العلة التامة.. بل كما نلاحظ في عالم الزراعة، إذ يتفق أن شخصين لهما نفس الحقل ونفس التربة ونفس البذرة، وواحد تثمر شجرته ثمرة طيبة، والآخر لا تثمر.. فمسألة التربية ليست هي كالتفاعلات الكيميائية، من حيث النتائج القطعية، فعندما تأتي بجزيئات الهيدروجين والأوكسجين، فالنتيجة قطعا هو الماء.. ففي عالم التربية حتى لو أن الإنسان عمل بكل آداب ليلة الزفاف، وآداب التربية، والإرضاع.. ولكن يبقى احتمال انحراف مسرة الولد وارد، نتيجة تأثره بالمجتمع وبالمحيط الخارج عن الأسرة، بالمدرسة ووسائل الإعلام والفضائيات.

نحن لا نعلم بالضبط ماذا جرى لابن نبي الله نوح (ع)، فنوح (ع) من أنبياء أولي العزم، ومن الأنبياء العظام، وهو أكيدا ما قصر في تربية ولده، ولقد كان حريصا على نجاته، حتى وهو يغرق: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ».. نحن لا نعلم ما الذي كان عليه ابن نوح (ع)، ومن الممكن أن يكون أصدقاء السوء، هم الذين جعلوه ينحرف عن شريعة أبيه، نبي الله نوح (ع).

فإذن، إن سر انحراف الأولاد لاحقا، هو تأثرهم بالمؤثرات الخارجية.. ومن هنا ينبغي للأبوين الصالحين أن لا يعولا على تربيتهما، ويقولا لقد دعونا له، وربيناه، وأخذناه لبيئة الطاعة وللمساجد.. فبالإضافة إلى ذلك، لابد من تجنيبه البيئة الفاسدة.. لا أن يلقى في اليم مكتوفا، بدعوى أنه سيسبح ويخرج!.. فإن طبيعة الانغمار في دوامة البحر، أنها تغرق!.. وهذا يتفق كثيرا، فبعض الشباب عندما يتخرج من الثانوية العامة-والمتعارف في سن الثامنة عشرة- يلقيه الأبوان للغرق في بلاد الغرب، وعندما يقال لا ترسلاه إلى بيئة أنتما لا تضمنان استقامته فيها، فدعواهما أنه نحن اتقنا تربيته، ولا يخاف عليه.. ولكن تلاحظ في مقام العمل وفي الأسبوع الأول من ذهابه، وإذا به يفقد الكثير مما كان عليه من الالتزامات.

فإذن، إن من موجبات الانحراف، الأمور الخارجة عن دائرة الأسرة، وهي كثيرة هذه الأيام.

وهنا ينهض سؤالاً آخر: إذا انحرف الابن هل يمكن تدارك الأمر واستنقاذه؟

بلا شك.. إن طريق المحبة والعاطفة، لمن أفضل الطرق لاحتواء الطرف المقابل.. الآن لو فرضا أن الولد عصا أبويه، وتعرب بعد الهجرة، ورجع-بعد مضي مدة من العمر- فاقدا للمقومات الإيمانية، ومتزوجا بامرأة ليست على ملته؛ فالأبوان من الممكن أيضا أن يعملا على استنقاذه، بالكلام الحكيم، كما يقول القران الكريم: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ».

إن البعض من الأولاد قد لا يستمع لأبويه، وخاصة في فترة من العمر، وهو في سن فوران الشهوة والغريزة والعاطفة، حتى بعد بناء العش الزوجي، وبعض الأولاد إلى سن الأربعين، وهو قد يعيش حالة التمرد على والديه.. ولكنه بعد أن يهدأ، ويجرب الحياة بحلوها ومرها، وتذهب فورة الغرائز، يحب أن يرجع إلى أحضان أبويه، كما لاحظنا بعض الأولاد، وخاصة في قسم البنات.. إلا أن بعض الآباء كأنه في مقام الانتقام من الابن، فيواجهه مواجهة قاسية، بأنه مادمت خرجت مني فلا تعد، وأنا لست بأب لك، وأمثال هذه التعابير.. والحال بأن الأب العاطفي والأم العاطفية، هم من يبادرون في استنقاذ الولد، ولا ينتظرون الإشارات منه، حتى يستجيبا لإشارات الولد الآبق أو العاق لهما.

إذن، إن من الممكن للأبوين ذلك، كما وقع في التاريخ كثيرا، حيث كبار المجرمين والفسقة رجعوا إلى رشدهم، بحركة عاطفية من أحد العلماء، والقصص في هذا المجال كثيرة.

إن الأب الصالح من الممكن أن يضرب على هذا الوتر، ويعيد الابن إلى رشده، وخاصة مع الدعاء الحثيث في استنقاذ الولد.. هناك عمل يسمى بعمل أم داوود، يلتزم به المؤمنون عادة في منتصف شهر رجب.. وبعض الآباء والأمهات يلتزمون بهذا العمل، بنية استرجاع أولادهم من أحضان الرذيلة والانحراف، ولسان حاله: كما أن أم داوود ابتليت بفقد ولدها في سجون الظالمين، فأنا ابني ذهب إلى بلاد الغرب، ووقع في سجن الهوى، يا ربي!.. أنا ليست طلبتي استنقاذ ابني من السجن، وإنما طلبتي استنقاذه من الهوى الذي هو عاكف عليه.

ومن المناسب أيضا المداومة على صلاة الأولاد، وهي ركعتان خفيفتان: في الأولى بعد الفاتحة سورة القدر، وفي الثانية سورة الكوثر، تصلى في الليل للأبناء، وفي النهار للآباء.

ومن الأمور النافعة أيضا، الإكثار من قول الأبوين-قبل الولادة، وحين الولادة، وبعد الولادة: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا».